هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)(٧٨)
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ...) الآية : اختلف المتأوّلون ، فيمن المراد بقوله : (الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ).
فقال ابن عبّاس وغيره : كان جماعة من المؤمنين قد أنفوا من الذّلّ بمكّة قبل الهجرة ، وسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبيح لهم مقاتلة المشركين ، فأمرهم عن الله تعالى بكفّ الأيدي ، فلمّا كتب عليهم القتال بالمدينة ، شقّ ذلك على بعضهم ، ولحقهم ما يلحق البشر من الخور والكعّ عن مقارعة العدوّ ، فنزلت الآية فيهم.
وقال ابن عباس أيضا ومجاهد : إنما الآية حكاية عن حال اليهود ؛ أنهم فعلوا ذلك مع نبيّهم في وقته (١) ، فمعنى الحكاية عنهم تقبيح فعلهم ، ونهي المؤمنين عن فعل مثله.
وقيل : المراد المنافقون.
و «أو» : تقدّم شرحها في «سورة البقرة» ؛ في قوله تعالى : (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤] ؛ لأنّ الموضعين سواء.
وقولهم : (لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) : ردّ في صدر أوامر الله سبحانه ، وقلّة استسلام له ، والأجل القريب : يعنون به موتهم على فرشهم ؛ هكذا قال المفسّرون.
قال ع (٢) : وهذا يحسن ؛ إذا كانت الآية في اليهود أو في المنافقين ، وأما إذا كانت في طائفة من الصحابة ، فإنما طلبوا التأخّر إلى وقت ظهور الإسلام ، وكثرة عددهم ، ويحسّن القول بأنها في المنافقين اطّراد ذكرهم فيما يأتي بعد من الآيات.
وقوله سبحانه : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ ...) الآية : المعنى : قل ، يا محمّد ، لهؤلاء : متاع الدنيا ، أي : الاستمتاع بالحياة فيها الّذي حرصتم عليه قليل ، وباقي الآية بيّن.
وهذا إخبار منه سبحانه يتضمّن تحقير الدّنيا ، قلت : ولما علم الله في الدنيا من الآفات ، حمى منها أولياءه ، ففي الترمذيّ عن قتادة بن النّعمان ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال :
__________________
(١) أخرجه الطبري (٤ / ١٧٣) برقم (٩٩٥٧) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٧٩) ، وابن كثير (١ / ٥٢٦) ، والسيوطي (٢ / ٣٢٨) ، وعزاه للنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في «سننه» من طريق عكرمة عن ابن عباس.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٨٠)