وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)(٦٣)
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...) الآية : تقول العرب : زعم فلان كذا ؛ في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق ، وغاية درجة الزّعم إذا قوي : أن يكون مظنونا ، وإذا قال سيبويه : زعم الخليل ، فإنما يستعملها فيما انفرد الخليل به ؛ وكأنّ أقوى رتب «زعم» أن تبقى معها عهدة الخبر على المخبر.
قال عامر الشّعبيّ : / نزلت الآية في منافق اسمه بشر ، خاصم رجلا من اليهود ، فدعاه اليهوديّ إلى المسلمين ؛ لعلمه أنهم لا يرتشون ، وكان المنافق يدعو اليهوديّ إلى اليهود ؛ لعلمه أنّهم يرتشون ، فاتّفقا بعد ذلك على أن أتيا كاهنا كان بالمدينة ، فرضياه ، فنزلت هذه الآية فيهما ، وفي صنفيهما (١) ، فالذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل على محمّد ـ عليهالسلام ـ هم المنافقون ، والذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبله هم اليهود ، وكلّ قد أمر في كتابه بالكفر بالطّاغوت ، والطّاغوت هنا الكاهن المذكور ، فهذا تأنيب للصّنفين.
وقال ابن عبّاس : الطّاغوت هنا هو كعب بن الأشرف ، وهو الذي تراضيا به (٢) ، وقيل غير هذا.
وقوله : (رَأَيْتَ) ، هي رؤية عين لمن صدّ من المنافقين مجاهرة وتصريحا ، وهي رؤية قلب لمن صدّ منهم مكرا وتخابثا ومسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالقرائن الصّادرة عنه.
وقوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ، قالت فرقة : هي في المنافقين الّذين احتكموا ؛ حسبما تقدّم ، فالمعنى : فكيف بهم إذا عاقبهم الله بهذه الذّنوب بنقمة منه ، ثم حلفوا ، إن أردنا بالاحتكام إلى الطّاغوت إلّا توفيق الحكم وتقريبه.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٤ / ١٥٥ ـ ١٥٦) برقم (٩٨٩٦ ـ ٩٨٩٨) ، وذكره البغوي (١ / ٤٤٦) ، وابن عطية (٢ / ٧٢) ، والسيوطي (٢ / ٣١٩) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري (٤ / ١٥٧) برقم (٩٩٠٢) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٧٢) ، والسيوطي (٢ / ٣٢٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي.