(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(١٨)
وقوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ...) الآية.
قال ص : التوبة : مبتدأ ؛ على حذف مضاف ، أي : قبول التوبة. انتهى.
قال ع (١) : «إنّما» : حاصرة ، وهو مقصد المتكلّم بها أبدا ، فقد تصادف من المعنى ما يقتضي العقل فيه الحصر ؛ كقوله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) [النساء : ١٧١] ، وقد لا تصادف ذلك ؛ كقوله : «إنّما الشّجاع عنترة» ، وهي في هذه الآية حاصرة ؛ إذ ليست التوبة إلا لهذا الصّنف المذكور ، وتصحّ التوبة ، وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب ، فإنّ التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحّت ، وهو محتاج بعد مواقعة الذّنب إلى توبة أخرى مستأنفة ، وتصحّ أيضا التوبة من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه ، خلافا للمعتزلة (٢) في قولهم : لا يكون تائبا من أقام على ذنب.
وقوله تعالى : (عَلَى اللهِ) ، أي : على فضل الله ورحمته لعباده ، وهذا نحو قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما حقّ العباد على الله» ، إنما معناه : ما حقّهم على فضله ورحمته ، والعقيدة أنّه لا يجب على الله / تعالى شيء عقلا ، و (السُّوءَ) ؛ في هذه الآية : يعمّ الكفر والمعاصي ، وقوله تعالى : (بِجَهالَةٍ) : معناه : بسفاهة ، وقلّة تحصيل أدّى إلى المعصية ، وليس المعنى أن تكون الجهالة بأنّ ذلك الفعل معصية ؛ لأنّ المتعمّد للذّنوب كان يخرج من التّوبة ، وهذا
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٢١)
(٢) كان للحسن البصري تلميذ يتلقى عليه ، فلما سمعه يقرر أن مرتكب الكبيرة مذنب عاص إن لم يتب ، فأمره لربه إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عقابا لا خلود معه في النار ، وأن أفعال العباد الاختيارية مخلوقة لله تعالى. عند ذلك خالف أستاذه في هاتين المسألتين ، واعتزل مجلس أستاذه إلى مجلس آخر يقرر في المسألة الأولى أنه ليس بمؤمن ولا بكافر ، بل هو واسطة بينهما ، فلا هو بمؤمن ؛ لأن الإيمان عقيدة وعمل ، ولا بكافر ، ويقرر في الثانية أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية بإقدار من الله تعالى ، عند ذلك قال الحسن : اعتزلنا واصل ، فسموا «معتزلة» لذلك ، ثم كثر أتباع واصل ، وصار لهم مذهب معروف في مسائل كثيرة ، منها : وجوب ثواب المطيع وعقاب العاصي ، ومنها نفي الصفات القديمة ، ومنها مسألة الحسن والقبح العقليين ، ومسألة الصلاح والأصلح.
ينظر : «مذكرة الشيخ» ، صالح موسى شرف.