كانت أن يأكل وليّ المرأة مهرها ، فرفع الله ذلك بالإسلام (١) ، وقيل : إن الآية في المتشاغرين (٢) الذين يتزوّجون امرأة بأخرى ، فأمروا أن يضربوا المهور.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٥٨٣) برقم (٨٥١٢) ، وذكره البغوي (١ / ٣٩٢) ، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢ / ٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٢) ، وعزاه لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) الشّغار في اللغة : الرفع ، من قولهم : شغر البلد عن السلطان ، إذا خلا عنه ؛ لخلوه عن الصداق ، أو لخلوه عن بعض الشرائط. وقيل : مأخوذ من قولهم : شغر الكلب برجله ، إذا رفعها ليبول ، كأن كلّا من الوليين يقول للآخر : لا تدفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك. وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار وتغليظ على فاعله.
وأما معناه شرعا ، فهو أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته ليس عنهما صداق. وقد قال عياض عن بعض العلماء : كان الشغار من نكاح الجاهلية يقول : شاغرني وليتي بوليتك ، أي عاوضني جماعا بجماع.
وقسم علماء المالكية الشغار إلى ثلاثة أقسام :
الأول : صريح الشغار ، وهو أن يقول الرجل لصاحبه : زوجني ابنتك مثلا على أن أزوجك ابنتي مثلا من غير صداق.
الثاني : وجه الشغار ، وهو أن يقول له زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتي بمائة.
الثالث : المركب منهما ، وهو أن يقول له : زوجني ابنتك بلا شيء على أن أزوجك ابنتي بمائة ، فالصريح هو الخالي من الصداق من الجانبين ، والوجه هو المسمى فيه الصداق من الجانبين ، والمركب هو المسمى فيه لواحدة دون الثانية.
ويحرم الإقدام عليه بجميع أنواعه ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا شغار في الإسلام».
ولما كان المالكية قد قسموا الشغار إلى الأقسام الثلاثة المتقدمة نبين الحكم عندهم في هذه الأقسام : أما صريح الشغار فقالوا : يفسخ مطلقا قبل الدخول وبعده ، ولو ولدت الأولاد ، ولا شيء للمرأة قبل الدخول ، ولها بعده صداق المثل ، وأما وجه الشغار ، فقالوا : يفسخ قبل الدخول ، ولا شيء فيه للمرأة ، ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل. وأما المركب منهما ، فيفسخ قبل الدخول في كل ، ولا شيء فيه للمرأة ، ويثبت نكاح المسمى لها بعد الدخول بالأكثر من المسمى وصداق المثل ، ويفسخ نكاح من لم يسم لها ، ولها صداق المثل.
وقد اختلف الفقهاء في نكاح الشغار هل هو صحيح أو فاسد وحصر الخلاف في مسألتين :
المسألة الأولى : إذا لم يسميا صداقا لواحدة منهما ، بل يجعلان بضع كل صداقا للأخرى ، وهو المسمى بصريح الشغار. وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا النكاح وفساده.
فذهب المالكية والحنابلة والظاهرية والشافعية إلى القول بفساد النكاح في هذه الحالة ، إلا أن الشافعية كما يفهم مما جاء في كتبهم يقولون : إن محل فساد النكاح في هذه الحالة إذا جعل بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى. وأما إذا لم يجعل بضع كل منهما صداقا للأخرى ، فالأصح عندهم الصحة للنكاحين.
وذهب الحنفية إلى القول بصحة النكاح ، وأنه يجب لكل واحدة منهما مهر مثلها ، وحكي هذا عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، ومكحول ، والزهري ، والثوري.
استدل الحنفية ومن معهم بما يأتي : قالوا : لما جعلا بضع كل منهما صداقا للأخرى ، فقد سميا ما لا ـ