وقوله : (فَواحِدَةً) ، أي : فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم ، يريد به الإماء ، والمعنى : إن خاف ألّا يعدل في عشرة واحدة ، فما ملكت يمينه ، وأسند الملك إلى اليمين ؛ إذ هي صفة مدح ، واليمين مخصوصة بالمحاسن ؛ ألا ترى أنّها المنفقة ؛ كما قال
__________________
ـ ونذكر آراءهم في المخصص المبين وهي كما جاءت في كتبهم من تقدم منهم ومن تأخر ستة أقوال :
الأول : فمن ذاهب إلى أنه حجة في الباقي ، وهم الجمهور ، غير أن الذين يرون قطعية العام قبل التخصيص يرون ظنيته هنا به.
الثاني : ومن ذاهب إلى أنه ليس بحجة مطلقا فيما بقي ، وإليه ذهب أبو ثور في رواية ، وفي أخرى أنه ليس بحجة إلا في أخص الخصوص ، وهو رأي الكرخي والجرجاني وعيسى بن أبان ، كذا في «التحرير». وفي «أصول الجصاص» : كان شيخنا أبو الحسن الكرخي يقول في العام إذا ثبت خصوصه : سقط الاستدلال باللفظ ، وصار حكمه موقوفا على دلالة أخرى من غيره ، فيصير بمنزلة اللفظ المجمل المفتقر إلى البيان. وكان يفرق بين الاستثناء المتصل باللفظ وبين الدلالة من غير اللفظ إذا أوجب التخصيص ، فيقول : إن الاستثناء غير مانع من بقاء حكم اللفظ فيما عدا المستثنى ؛ لأن الاستثناء لا يجعل اللفظ مجازا ولا يزيله عن حقيقته. ودلالة التخصيص من غير جهة اللفظ تجعل اللفظ مجازا وتزيله عن حقيقته ؛ لأن الحقيقة هي العموم ، وكان يقول : هذا مذهب ، ولا يمكنني أن أعزيه إلى أصحابي. وكان محمد بن شجاع يذهب هذا المذهب ، وقد ذكره في بعض كتبه. ا ه.
ثالثا : ومنهم من ذهب إلى أن العام إن كان منبئا عن الباقي ودالا عليه بسرعة ، كلفظ «المشركين» في قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥] إذا خص بأهل الذمة ، كان حجة ؛ لأن المراد من «المشركين» بعد تخصيصه بأهل الذمة ظاهر ينتقل الذهن بسرعة إلى أن المراد منه حينئذ المربيون. وأما إذا كان لا يدل عليه بسرعة لا يكون حجة ؛ لتوقفه على البيان ، وذلك كلفظ «السارق» في قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] ؛ فإنه بعد تخصيصه بذي الشبهة لا يعلم المراد منه ؛ لأنه يحتمل سرقة نصاب وغيره ، من حرز أم لا ، فيحتاج إلى بيان الشارع ، فلا ينتقل الذهن إلى سارق نصاب من حرز قبل بيان الشارع. وإلى هذا الرأي ذهب أبو عبد الله البصري تلميذ الكرخي.
رابعا : وقال القاضي عبد الجبار : إن كان العام قبل التخصيص ظاهرا لا يتوقف على البيان ولا يحتاج إليه ، فهو حجة كما في قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) ؛ فإنه بين في أفراده قبل إخراج أهل الذمة. وإن كان يتوقف على البيان ويحتاج إليه ، فليس بحجة كما في قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [النساء : ٧٧] ؛ فإنه لا يدري المراد منه قبل بيان الشارع بقوله وفعله ، بل هو مفتقر إلى البيان قبل إخراج الحائض ، ولذلك بينه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بفعله فقال : «صلوا كما رأيتموني أصلي». وهذا المذهب قريب من سابقه.
خامسا : ومن الناس من ذهب إلى أنه حجة في أقل الجمع ، وهو اثنان أو ثلاثة ـ على الخلاف ـ ولا يكون حجة فيما زاد على ذلك. قال في «إرشاد الفحول» : حكى هذا المذهب القاضي أبو بكر وابن القشيري ، وقال : إنه تحكم. وقال الصفي الهندي : لعله قول من لا يجوز تخصيص التثنية ، وحكى الغزالي في «المستصفى» أن فريقا من القدرية ذهبوا إلى هذا المذهب.
سادسا : وذهب البلخي (وهو ممن يرى أن الدليل المتصل كالشرط والصفة تخصيص) إلى أن العام إن خص بمتصل فهو حجة نحو : «اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة» ، وإن خص بمنفصل لم يكن حجة. وإذا ما علمنا أن البلخي يرى المتصل تخصيصا ، وأن الكرخي لا يراه ـ يظهر لنا الفرق بين ما ذهب إليه ـ