وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)) (١) (٢) [البلد : ٩٠ / ١ ـ ٢٠]
المعنى : أقسم بهذا البلد : مكة المكرمة ، تنبيها على حرمتها ، وأنت أيها النبي حلال بهذا البلد ، يحل لك فيه قتل من شئت ، وكان هذا يوم فتح مكة. فقد جاء أهله بأعمال توجب إحلال حرمته. والمراد : أن مكة عظيمة القدر في كل حال ، حتى في حال اعتقاد الكفار القرشيين أنك أيها النبي حلال ، لا حرمة لك ، وهذا تقريع وتوبيخ لهم. وهذا على رأي شرحبيل بن سعد فيما ذكره الثعلبي : أن معنى (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) (٢) أي قد جعلوك حلالا مستحل الأذى والإخراج ، والقتل لك لو قدروا.
والمقسم عليه هو : لقد خلقنا الإنسان في كبد أي لقد خلقنا الإنسان اسم الجنس كله مغمورا بالمشقة والمكابدة ، أي يكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة.
ولكن الإنسان اغتر بقوته ، فقيل له : أيظن ابن آدم أن لن يقدر عليه أحد ، ولا ينتقم منه أحد ، فالله قادر على كل شيء.
نزلت هذه الآية في أبي الأشد بن كلدة الجمحي ، الذي كان مغترا بقوته ، واسمه : أسيد بن كلدة الجمحي ، كان يحسب أن أحدا لا يقدر عليه. وقيل : نزلت في غيره ، مثل عمر بن عبد ود الذي قتله علي رضي الله عنه خلف الخندق ، أو في الحارث بن عامر بن نوفل ، فوبخهم القرآن على ذلك.
ثم ذم الله الإنسان على الإنفاق بقصد المراءاة ، فإنه يقول يوم القيامة : أنفقت مالا كثيرا ، مجتمعا بعضه على بعض ، وهو الذي يسميه أهل الجاهلية مكارم أو معالي ومفاخر.
__________________
(١) الرحمة.
(٢) محيطة بهم.