بالجزاء والحساب ، وإظهار آيات قدرته وسلطانه وقهره ، ويقف الملائكة مصطفين صفوفا للحراسة والحفظ. وتكشف للناظرين جهنم بعد غيبتها وحجبها عنهم ، كما في آية أخرى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) (٣٦) [النازعات : ٧٩ / ٣٦].
في ذلك اليوم الرهيب يتذكر الإنسان أنه أخطأ وقصر ، وكذب وعصى ، وفرط وطغى ، ويندم على ما قدم في الدنيا من الكفر والمعاصي ، وعلى ما عمل من أعمال السوء ، ولكن هل تنفعه الذكرى؟ أي : وأنى له نفع الذكرى؟ لا تنفعه ، فقد فات الأوان ، وإنما كانت تنفعه الذكرى لو تذكر الحق قبل حضور الموت ، ويقول الإنسان الذي عصى في الدنيا : يا ليتني قدمت عملا ينفعني في تلك الحياة الأبدية ، وكأنها هي الحياة فقط ، يا ليتني قدمت الخير والعمل الصالح لحياتي الأخروية الدائمة الباقية ، فهي الحياة الأخيرة الخالدة لأهل النار ولأهل الجنة جميعا.
وقوله تعالى : (لِحَياتِي) معناه عند جمهور المتأولين : لحياتي الباقية ، أي الآخرة ، وقال بعض المتأولين : المعنى : لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا ، واللام بمعنى الوقت.
وجواب قوله : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ ..) في قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ ..) أي في يوم القيامة لا يتولى أحد تعذيب العصاة وحسابهم وجزاءهم إلا الله ، ولا يتولى إحكام الوثاق أو الربط بالسلاسل والأغلال للكافر أحد إلا الله ، ولا يعذّب أحد مثل عذاب الله. وفي هذا ترغيب بالعمل الصالح والإيمان ، وترهيب من الكفر والعصيان.
فالضمير في (عذابه) و (وثاقه) لله تعالى ، والمصدر مضاف إلى الفاعل. وقد جمعت الآية معنيين :
أحدهما ـ أن الله تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد.
والآخر ـ أن عذابه من الشدة في حيّز لم يعذّب قط أحد بمثله في الدنيا ، وهذا شأن الإنسان المادي.