ويعلم الله تعالى مقادير الليل والنهار حقيقة ، ويعلم القدر الذي تقومونه من الليل ، مرة يكثر ، ومرة يقلّ ، وأما البشر فلا يحصون ذلك ، ويعلم الله أنكم لن تطيقوا معرفة حقائق الزمان والقيام بالليل ، ولن تتمكنوا من ضبط مقادير الليل والنهار ، ولا إحصاء الساعات ، فتاب الله عليكم ، أي رجع بهم من الثّقل إلى الخفّة ، ومن العسر إلى اليسر ، وأصل التوبة : الرجوع.
قال مقاتل : لما نزلت (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢) شقّ ذلك عليهم ، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه ، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ ، فانتفخت أقدامهم ، وامتقعت ألوانهم ، فرحمهمالله وخفف عنهم ، فقال الله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ). والمراد بقوله : (لَنْ تُحْصُوهُ) أي لن تطيقوه ، لصعوبة الأمر ، لا أنهم لا يقدرون عليه.
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) هذا في صلاة قيام الليل ، أي صلّوا ما تيسّر لكم من صلاة الليل ، فالمراد بالقراءة : الصلاة ، من إطلاق الجزء وإرادة الكل. وهذه الآية نسخت المطالبة بقيام الليل.
وأسباب التخفيف : هي أن الله تعالى علم بطروء أعذار ثلاثة على بني آدم تحول بينهم وبين قيام الليل : هي المرض ، والسفر ، والجهاد ، فقد يكون منكم مرضى لا يطيقون قيام الليل ، وآخرون يسافرون في الأرض للتجارة وكسب العيش والأرباح ، يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم ، فلا يطيقون قيام الليل. وقوم آخرون : هم المجاهدون في سبيل الله ، لا يطيقون قيام الليل ، فوجود هذه الأعذار المقتضية للترخيص سبب لرفع فرضية التهجد عن جميع الأمة ، وكذا عن النّبي صلىاللهعليهوسلم. وقوله : (عَلِمَ أَنْ) أن مخففة من الثقيلة ، أي أنه يكون. والضرب في الأرض : هو السفر للتجارة.