هذا في الليل وقت العبادة ، وأما في النهار : فلك في وقته تقلّب وتصرّف في حوائجك ومصالح الحياة ، فلا تتفرغ فيه للعبادة ، فصلّ بالليل.
ولا تنقطع عن ذكر الله في أي وقت ليلا أو نهارا ، وأكثر من ذكر الله ، وداوم عليه إن استطعت ليلا ونهارا ، وأخلص العبادة لربّك ، وانقطع إلى الله انقطاعا بالاشتغال بعبادته ، والتماس ما عنده إذا فرغت من أشغالك وحوائجك الدنيوية. (وَتَبَتَّلْ) معناه : انقطع من كل شيء إلا منه ، وافرغ إليه.
وسبب الأمر بالعبادة وضرورة التّبتّل : أن ربّك ربّ المشرق والمغرب الذي لا إله إلا هو ، وكما أفردته بالعبادة ، فأفرده بالتوكّل ، واجعله وكيلا لك في جميع الأمور. والوكيل : القائم بالأمور الذي توكل إليه الأشياء.
والقيام بتبليغ الرسالة يتطلب جهدا متواصلا ، وصبرا دائما ، فاصبر أيها الرسول على أذى قومك ، وما ينالك من السّب والاستهزاء ، ولا تجزع من ذلك ، ولا تتعرض لهم ، ولا تعاتبهم ودارهم. وعلاج الأذى : هو الصبر. والهجر الجميل : وهو أن تجانبهم وتداريهم ، ولا تعاتبهم وفوّض أمرهم إلى الله تعالى. فالهجر الجميل : هو الذي لا عتاب معه.
أرشدت الآيات إلى فرضية التّهجد على النّبي صلىاللهعليهوسلم ، خاصة به ، وإلى وجوب ترتيل القرآن : وهو قراءته على مهل ، وتبيين حروفه ، وتحسين مخارجه ، وإظهار مقاطعه ، مع تدبّر المعاني. وناشئة الليل ، أي العبادة في الليل أشدّ انسجاما وتوافقا بين الفكر والقلب ، والعقل والنفس ، وأسدّ مقالا وأثبت قراءة. والنهار لكسب العيش والحاجات الأصلية. ولا يترك ذكر الله باللسان والقلب في جميع الأوقات ، والتّبتّل : الانقطاع إلى الله بالكلية ، بإخلاص العبادة ، لا تعطيل أعمال الدنيا ، ويطالب المؤمن بإفراد الله بالعبادة ، وبالتوكل عليه دون سواه ، ولا بدّ من الصبر على الأذى في سبيل نشر الدعوة إلى الله وتوحيده.