كأنهم بناء راسخ شامخ. وهذا تأكيد لمحبة الله للمقاتلين صفّا. ومحبة الله : هي ما يظهر عليهم من نصره وكرامته. والمحبة : صفة فعل ، وليست بمعنى الإرادة ، لأن الإرادة لا يصح أن يقع ما يخالفها ، والمقاتلون على غير هذه الصفة كثيرون.
ثم ذكّر الله تعالى بمقالة موسى وعيسى حين كذّبهما القوم ، ليكون ذلك ضرب مثل للمؤمنين الذين يقولون ما لا يفعلون ، لأن التكذيب تصادم مع الواقع.
واذكر أيها الرسول لقومك خبر موسى عليهالسلام حين قال لقومه بني إسرائيل : يا قوم لم تلحقون الأذى بي بمخالفة ما آمركم به من الشرائع التي افترضها الله عليكم ، أو لم تؤذونني بالشّتم والتعييب ، وأنتم تعلمون يقينا صدقي فيما جئتكم به من الرسول ، فلما زاغوا ، أي تركوا الحقّ ولم يتبعوا نبيّهم ، أمال الله قلوبهم عن الهدى ، والله لا يوفّق للحق ولا يرشد للهداية القوم الكافرين الذين كفروا بأنبيائهم ، وعصوا رسلهم. فاحذروا أيها المؤمنون أن يصيّركم العصيان وقول الباطل إلى مثل حالهم.
واذكر أيضا أيها النّبي لقومك خبر عيسى حين قال : يا بني إسرائيل ، إني رسول الله إليكم بالإنجيل ، لم آتكم بشيء يخالف التوراة ، وإنما أؤيدها وأكملها ، فكيف تعصونني؟ وإن التوراة بشّرت بي ، وأنا مبشّر بمن بعدي : وهو الرسول العربي أحمد ، أي أحمد الناس لربّه ، وهو محمد عليه الصّلاة والسّلام ، فلما جاء أحمد المبشّر به في الكتب المتقدمة بالمعجزات والأدلّة القاطعة ، قال الكفار : هذا سحر واضح لا شك فيه. أخرج البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي (أي بعدي) وأنا العاقب». أي الآخر الآتي بعد الأنبياء.