تفسير سورة الصّف
وحدة الصّف وتطابق القول مع العمل
نظّم الإسلام المجتمع تنظيما دقيقا على أسس متينة ، وأخلاق ومبادئ رصينة ، لتكون الأمة كتلة واحدة متراصّة ، فأمر بوحدة الصّف في القتال ، ومواجهة الأعداء ، ودعا إلى العمل المطابق للقول ، فلا يكون هناك ازدواج أو تنافر بين الكلمة وبين الفعل ، لأن ظهور مثل هذه الظاهرة يهدم الثقة ، ويزعزع بنية الأمة ، ويشيع تصوّرا كئيبا على عدم الصدق في الإيمان وصحّة الاعتقاد ، وضعف الفكر وانعدام التخطيط للمستقبل. وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم في الآيات الآتية في مطلع سورة الصّف ، التي هي مدنيّة على الصحيح عند جمهور العلماء :
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦)
__________________
(١) المقت : أشد البغض.
(٢) صافين أنفسهم.
(٣) متراص متلائم الأجزاء.
(٤) مالوا عن الحق.
(٥) لما تقدمني من الكتب كالتوراة والزبور.
(٦) من أسماء النّبي صلىاللهعليهوسلم ، ومعناه : أنه أحمد الناس لربّه.