وهؤلاء الأتقياء البررة متكئون على وسائد خضراء ، وبسط منقوشة بديعة ، فاخرة الصنع ، فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن؟! ويلاحظ أن أثاث الجنّتين الأوليين أرفع من هذه الصفة ، فإنه تعالى قال فيهما هناك : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) فبأي شيء من هذه النّعم تكذّبان معشر الجنّ والإنس؟!
وختمت الصفات المتقدمة في الجنّتين الأوليين ببيان سببها وهو : أن استحقاق هذا الفضل والإحسان جزاء الإحسان المتقدم في الدنيا.
وهنا ختمت هذه الصفات والسورة كلها بالإقرار بمصدر هذا الفضل ، وهو الله تعالى الذي تنزه عن كل ما لا يليق به ، فهو المتفرّد بصفات العزّة والعظمة ، وإكرام عباده المخلصين ، وهو أحقّ بالعبادة والإجلال فلا يعصى ، وأن يكرم فيعبد ، ويشكر فلا يكفر ، وأن يذكر فلا ينسى. وهذه الخاتمة تدلّ على بقاء أهل الجنة ذاكرين اسم الله ، منزهين له ، مستمتعين به. وأما أوصاف نعيم الدنيا فختمت بما يشير إلى فناء كل شيء من الممكنات يوم القيامة مع بقاء الله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢٧).
وفي الجملة : هناك لأهل التقوى أربع جنان ذات منازل مختلفة ، اثنتان منهما للمقرّبين السابقين ، واثنتان دونهما في المكانة والمنزلة لأصحاب اليمين. والفروق واضحة بين كل من النوعين ، وذلك دليل على إقامة صرح العدالة في الثواب والتكريم ، فلا يستوي كل فريق مع الآخر ، مع تفاوتهما في العمل الصالح ، وممارسة كل مظاهر التقوى ، وأعمال البر في الدنيا ، مما يؤهل كل فريق لما أعدّه الله له من الإحسان والنّعم الموافية لعمله.