ويقدّم القرين السائق للإنسان : وهو الملك الموكل به أو قرينة من ربانية جهنم : هذا ما عندي مهيأ معدّ لجهنم ، أو هذا العذاب الذي لهذا الإنسان الكافر حاضر عتيد ، أو هذا الذي أحصيته من الأعمال عتيد لدي ، وموجب عذابه.
وقال الزهراوي : قرينه : شيطانه ، قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، وإنما أوقع فيه أن القرين في قوله : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف. والواقع أن القرين في الآيتين مختلف. فالقرين الذي في هذه الآية غير القرين الذي في قوله تعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) إذ المقارنة تكون على أنواع.
ويقول الله تعالى للسائق والشهيد : اطرحا في جهنم كل من كفر بالله أو أشرك به شريكا آخر ، كثير المنع للخير كالزكاة ، معتد ظالم بالأذى والفحش ، شاكّ في الله وفي أخباره ، الذي جعل مع الله شريكا إلها آخر ، فألقياه في النار ذات العذاب الشديد. ويحدث حوار بين الكافر وقرينه الشيطان الذي كان معه في الدنيا ، فيقول : القرين الشيطان عن الكافر المقارن له ، والمتبرئ منه : يا ربنا ما أضللته أو أوقعته في الطغيان ، بل كان هو في نفسه ضالا ، مؤثرا الباطل ، معاندا للحق ، فدعوته فاستجاب لي ، فهو الذي كان في ضلال بعيد الغور ، يستحق معه هذا العقاب.
قال الله عزوجل للكافر وقرينه الشيطان : لا تتخاصموا ولا تتجادلوا عندي في موقف الحساب ، فإني تقدمت إليكم في الدنيا بوعيدي وإنذاري ولقد قضيت ما أنا قاض ، ولا يغير حكمي وقضائي ، ولا خلف لوعدي ، بل هو كائن لا محالة ، ولست بظالم أحدا بغير جرم اقترفه أو ذنب ارتكبه ، بعد قيام الحجة.
والعذاب قائم ، فاذكر أيها الرسول لقومك حين يقول الله لجهنم : هل امتلأت ، من الإنس والجن ، فتنطق قائلة : هل من زيادة تزيدونني بها؟ غيظا على العصاة. وهذا حقيقة في الراجح ، وأنها قالت ذلك وهي غير ملأى. والنعيم محقق ، حيث قربت الجنّة ، لأهل التقوى تقريبا غير بعيد ، أو في مكان غير بعيد ، بل هي بمرأى منهم.