من ذلك ، وعندنا كتاب حافظ شامل لعددهم وأسمائهم وتفاصيل الأشياء كلها ، وهو اللوح المحفوظ. إنه تعالى يعلم ما تأكل الأرض من ابن آدم وما تبقي منه ، وأن ذلك في كتاب ، وكذلك يعود في الحشر ، معلوما ذلك كله. والحفيظ : الجامع الذي لم يفته شيء.
وسبب كفرهم وعنادهم : أن كفار قريش في الواقع كذبوا بالقرآن وبنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم الثابتة بالمعجزات ، وكان تكذيبهم من غير ترو ، ولا تدبر وتفكر ، وإنما بمجرد تبليغهم به من قبل هذا الرسول ، فهم في أمر مضطرب مختلط من دينهم ، يقولون مرة عن القرآن والنبي : ساحر وسحر ، ومرة : شاعر وشعر ، ومرة : كاهن وكهانة ، فهم في قلق واضطراب ، لا يدرون ماذا يفعلون.
ثم استدل الله تعالى على قدرته العظيمة على البعث وغيره بدليل حسي مشاهد لهم : أفلم ينظر هؤلاء الكفار نظرا واضحا إلى هذه السماء المخلوقة العجيبة ، فهي مرفوعة بلا عمد ، ومزينة بالكواكب ، ومبنية بناء راسخا ، ليس فيها شقوق وصدوع وفتوق ، ثم ألم ينظروا أيضا إلى الأرض التي بسطناها ووسعناها ، وألقينا فيها جبالا ثوابت لئلا تضطرب بأهلها ، وأنبتنا فيها من كل صنف نباتي ذي بهجة وجمال وحسن منظر.
فعلنا ذلك ليتبصّر العباد والمنيبون الراجعون إلى ربهم وطاعته ، ويتفكروا في بدائع مخلوقاته ، ويتذكروا هذه الأدلة ، وخص الله تعالى بالذكر العبد المنيب وأفرده تشريفا ، من حيث إن هؤلاء العباد هم المنتفعون بالتبصرة والذكرى.
وكيفية الإنبات من التراب التي يشبهها إعادة الخلق أو البعث والحشر : أن الله قال : لقد أنزلنا من السحاب المطر الكثير النفع ، المنبت كل شيء من الأشجار في البساتين ، ومن الحبوب التي تحصد كالقمح والشعير ونحوهما. وأنبتنا أيضا به النخيل الجميل الطويل الشاهق في السماء ، والتي لها طلع (أول ما يخرج من ثمر النخيل)