أشد منكم قوة ، وأكثر أموالا وأولادا ، وأعز جانبا ، وأمنع سلطانا. وإنهم أعرضوا عن هداية الله ، على الرغم من منحهم السمع الجيد ، والبصر السليم ، والفؤاد الواعي ، فما أفادهم كل ذلك شيئا ، لعدم إعمال تلك الحواس في المفيد ، لأنهم كانوا ينكرون آيات الله ، وأحاط أو نزل بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء بقولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا).
ومن الواجب على العقلاء الاتعاظ بهذا المصير ، فلقد أهلكنا يا أهل مكة ما حولكم من البلاد ، من القرى المكذبة بالرسل ، مثل قرى ثمود ، ومدائن لوط ، ومدين في جوار الحجاز ، وأهل سبأ باليمن ، وبيّنا الآيات وأوضحناها ، لكي يرجعوا عن كفرهم ، فلم يرجعوا.
فهلا نصرتهم آلهتهم التي تقربوا بها إلى الله لتشفع لهم ، ودفعت الهلاك عنهم ، بل غابوا وذهبوا عنهم ، ولم يحضروا لنصرتهم ، وعند الحاجة إليهم ، وسبب ذلك الضياع وانعدام نفع آلهتهم : هو إفكهم ، أي كذبهم ، وما كانوا يفترون ، أي يكذبون ويختلقون. وفي هذا توبيخ لأهل مكة ، وتنبيه إلى أن أصنامهم لا تنفعهم شيئا ، فلو نفعت لأغنت من كان قبلهم.
وفادة الجن على النبي صلىاللهعليهوسلم
الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم رسول لجميع العالمين من الإنس والجن ، وقد بلّغ رسالته للفريقين ، فكان فيهما من آمن ، ومن كفر ، فالمؤمن مثاب على إيمانه وعمله الصالح ، والكافر معاقب على كفره وجحوده برسالة هذا النبي. أما طريقة التبليغ للإنس فمعروفة ، وهي التبشير والإنذار ، وإيضاح الدلالات الدالة على وجود الله وتوحيده ووجوب طاعته ، بالحجة والإقناع ، وأما طريقة تبليغ الجن فمجهولة لدينا ، ولا