هي تتناول من بعده. وقال السدّي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، والأولى أنها للعموم الشامل لهاتين الواقعتين وغيرهما.
والمعنى : وصينا الإنسان وأمرناه أن يحسن لوالديه ، في الحياة وبعد الموت. والتوصية : الأمر المقترن بالوعظ والإشعار بالعناية بالشيء المأمور به. والإحسان : بالحنو عليهما والكلام اللطيف معهما ، والإنفاق عليهما عند الحاجة ، والبشاشة عند لقائهما. وذكرت الأم مرة في قوله تعالى : (بِوالِدَيْهِ) ثم ذكرت في مراتب ثلاث أخرى وهي حمل الأم ثم وضعها ، ثم رضاعها الولد الذي عبر عنه بالفصال ، وهذا يناسب ما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين جعل للأم ثلاثة أرباع البر ، والربع للأب. وذلك حين قال له رجل : «يا رسول الله ، من أبرّ؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أباك» (١).
والحمل والوضع بكره ، أي بمشقة. حتى إذا بلغ الولد أشده ، أي كمل عقله ورأيه ، واشتد ساعده ، وذلك : ستة وثلاثون ، في أقوى الأقوال ، وبلغ أربعين سنة ، قال : رب ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علي ، وعلى والديّ ، من نعمة الهداية إلى الدين الحق والتوحيد ، وغير ذلك من نعم الدنيا ، كسلامة العقل والصحة ، ووفرة العيش ، وكمال الخلقة ، وحنان الأبوين في الصغر ، وألهمني ووفقني للعمل الصالح الذي ترضاه مني : وهو الصلوات ، وأصلح لي في ذريتي بجعلهم أهل طاعة وخيرية ، ومعنى الآية : أن هكذا ينبغي للإنسان أن يفعل ، وهذه وصية الله تعالى في كل الشرائع.
إني تبت من الذنوب ، ورجعت إليك من العيوب ، وإني من المنقادين لطاعتك ، المخلصين لتوحيدك.
__________________
(١) رواه البخاري ومسلم ، ولفظهما : «من أحق الناس بحسن صحابتي؟».