فيهما بما يريد ، وملكه محيط بالخلق ، ومشيئته نافذة في جميع المخلوقات ، وفي كل أمورهم ، فإن الله تعالى وحده يخلق ما يشاء ، ويمنع من يشاء ، يهب من يشاء البنات فقط ، ويرزق من يشاء البنين فقط ، ويعطي من يشاء الصنفين معا ذكورا وإناثا ، فالتزويج هنا بمعنى الجمع بين البنين والبنات ، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له ، لأن الملك ملكه ، يتصرف في شؤون خلقه على وفق العلم الشامل ، والحكمة الدقيقة ، والمصلحة الحقيقية ، فإنه سبحانه عليم بمن يستحق كل صنف من أصناف الأولاد ، تامّ القدرة على منح ما يريد أو منع ما يشاء. فقوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) معناه أن يجعل في بطن زوجا من الذرية ذكرا وأنثى. والعقيم : الذي لا يولد له.
وإنما بدأ الله تعالى بذكر الإناث تأنيسا بهن وتشريفا لهن ، وحملا على العناية بهن ، والإحسان إليهن ، قال النبي عليه الصلاة والسّلام ـ فيما أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأحمد : «من ابتلي من هذه البنات بشيء ، فأحسن إليهن كن له حجابا من النار». وقال واثلة بن الأسقع فيما حكاه الثعلبي عنه : «من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذّكر ؛ لأن الله تعالى بدأ بالإناث». وقال إسحاق بن بشر : نزلت هذه الآية في الأنبياء عليهمالسلام ، ثم عمّمت ، فلوط عليهالسلام أبو بنات ، لم يولد له ذكر ، وإبراهيم عليهالسلام عكسه ، لم يولد له إلا الذكور ، ومحمد عليه الصلاة والسّلام ولد له الصنفان ، ويحيى بن زكريا عليهماالسلام عقيم.
وهذا التوزيع الإلهي في رزق الأولاد ، كقسمة الأرزاق بين العباد ، نابع من الحكمة الإلهية لخير الإنسان ، أو لما يعلم له من أحوال تناسبه أو لمصالح بعيدة المدى.