الكافرين المشركين خائفين مضطربين يوم القيامة ، مما عملوا من السيئات في الدنيا ، والجزاء واقع نازل بهم لا محالة ، أما الذين صدقوا بالله ورسوله وعملوا صالح الأعمال منهم يتمتعون في روضات الجنان ، لهم ما يشتهون عند ربهم ، من ألوان النعم والملذات ، وذلك هو الفضل الذي يفوق كل فضل في الدنيا. والروضات : المواضع البهية النّضرة ، وهي في الأغلب مرتفعة ، وهي ممدوحة عند العرب. وكلمة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) العندية للتشريف والمكانة ، لا المكان المادي أي الجوار المحسوس.
وهذا الجزاء للمؤمنين حتمي الوقوع ، وهذا الجزاء هو الذي يبشر الله به عباده المؤمنين الذين يعملون صالح الأعمال ، أي إن تلك البشارة لمن قرن أو جمع بين الإيمان والعمل بما أمر الله ، وترك ما نهى عنه.
ثم أمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم بالترفع والسمو عن أعراض الدنيا ، فيقول لقومه : لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلا ولا مكافأة ولا نفعا ماديا ، إلا أن تودوني لقرابة بيني وبينكم ، فتكفوا عني أذاكم. قال ابن عباس وغيره : لم يكن في قريش بطن إلا ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم فيه نسب أو صهر. فالآية على هذا هي استعطاف ودفع أذى سلامة منهم (١).
قال قتادة : قال المشركون : لعل محمدا فيما يتعاطاه يطلب أجرا ، فنزلت هذه الآية ، ليحثهم على مودّته ومودّة أقربائه. والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به ابن عباس فيما رواه البخاري وهو : «إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة» لأن الآية مكية ، ولم يكن بين علي وفاطمة زواج إلا بعد بدر ، من السنة الثانية من الهجرة.
__________________
(١) قال مجاهد : إلا أن تصلوا رحمي باتباعي. وقال علي بن الحسن بن علي : المعنى إلا أن تودّوني فتراعوني في قرابتي وتحفظوني فيهم. جاء في حديث ذكره الثعلبي : «من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ومن مات على بغضهم ، لم يشم رائحة الجنة».