عليهم مكذبا ظنهم ، ومتوعدا إياهم بالنار ، فالله تعالى لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات عبثا لا حكمة فيه ، أو لهوا ولعبا ، وإنما خلق ذلك للدلالة على قدرته العظيمة ، ومن أجل العمل فيهما بطاعته وعبادته وتوحيده ، كما قال الله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) [الذاريات : ٥١ / ٥٦].
ثم أخبر الله تعالى عن كذب ظن الكافرين ، وتوعّدهم بالنار ، أي إن ظن الذين كفروا بأن هذه المخلوقات العظمى خلقت عبثا لغير غرض ، فلا قيامة ولا حساب ، هو ظن خطأ كاذب ، فيا هلاك هؤلاء الكافرين في النار يوم المعاد والنشور ، جزاء ما قدموا من الشرك والعصيان ، وجحود نعم الله تعالى ، وإنكار البعث.
وأبان الله تعالى الفرق في الحساب عنده بين المؤمنين العاملين بالصالحات وبين المفسدين الكفرة ، وبين المتقين والفجّار ، فليس من العدل والمعقول والحكمة التسوية بين الفريقين. والمعنى : بل أنجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله ، وعملوا بفرائضه ، وأصلحوا أعمالهم ، فأدوا الفرائض والواجبات على وجه متقن ، كالمفسدين في الأرض بالمعاصي والجحود ، أم نجعل أتقياء المؤمنين كأشقياء الكافرين والمنافقين والعصاة؟ ليس ذلك حقا ولا عدلا ، ولا حكمة ولا نظاما سويا.
وفي هذا البيان والتفرقة بين الفريقين حض على الإيمان وترغيب فيه ، ووعيد للكفرة والجاحدين. ونظير الآية كثير في القرآن المجيد ، مثل قوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٦) [القلم : ٦٨ / ٣٤ ـ ٣٦].
ثم أحال الله تعالى في طلب الإيمان والتقوى ، على كتابه العزيز بقوله : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) أي هذا كتاب لمن أراد التمسك بالإيمان والقربة إلينا ، إن طريق السعادة الأبدية : هو اتباع القرآن الذي أنزله الله هدى ورحمة للمؤمنين ، وهو كثير الخير