واعتقدوا بأنه لا قيامة ولا حساب ولا عقاب ، ولم يدروا بأن الله رقيب عليهم ومجازيهم بما يستحقون. فأغرقهم في البحر في صبيحة يوم واحد ، وأفناهم عن آخرهم ، فانظر أيها الرسول وكل متأمّل في قدرة الله وعظمته ، كيف كان مصير هؤلاء الظالمين الذي ظلموا أنفسهم؟ لقد أغرقناهم في اليم ، أي في بحر القلزم (البحر الأحمر).
وضاعف الله عذابهم حين جعل فرعون وأشراف قومه وأتباعه قادة ضلال ، وقدوة لكل كافر وعات ، إلى يوم القيامة ، لأنهم قاموا بإضلال غيرهم ودعوتهم إلى النار ، فجوزوا بجزاءين : جزاء الضلال ، والإضلال ، وفي يوم القيامة لا يجدون مناصرين لهم ، ولا شفعاء يشفعون لهم ، لإنقاذهم من بأس الله وعذابه.
وألزمناهم على الدوام في الدنيا لعنة وخزيا ، وغضبا ، على ألسنة المؤمنين والأنبياء المرسلين ، كما أنهم يكونون يوم القيامة من المقبوحين ، أي الذين يقبح كل أمرهم ، قولا لهم وفعلا ، ومن المطرودين المبعدين عن رحمة الله ، كما جاء في آية أخرى : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٩٩) [هود : ١١ / ٩٩].
وتم إنجاء أهل الإيمان بعد إغراق فرعون وقومه ، فآتى الله موسى كتاب التوراة بعد إهلاك أهل القرون القديمة من قوم نوح وهود وصالح ولوط ، ليكون ذلك الكتاب مصدر هداية ونور وتبصّر وتدبّر وتفكّر ، ورحمة لمن آمن به ، وإرشاد للعمل الطّيب ، وإنارة للقلوب ، لتمييز الحق من الباطل ، لعل الناس يتذكّرون به ويتّعظون ، ويهتدون بسببه.
تضمّن هذا الإخبار أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى ، بعد إهلاك فرعون وقومه ، وبعد إهلاك الأمم القديمة من عاد وثمود وقرى قوم لوط وغيرها ، والقصد من هذا الإخبار التمثيل لقريش وتحذيرهم بما تقدّم في غيرهم من الأمم من ألوان العذاب.