الله هو الحق ، أي الموجود الثابت المستحق للعبادة ، وأن كل ما سواه باطل زائل ، فهو وحده سبحانه الإله ، ولا تعدد في الآلهة ، وهو الغني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه ، وأنه تعالى العلي العظيم الذي لا أعلى منه ، المرتفع على كل شيء ، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء ، شامل العزة ، وكامل السلطان ، وكل شيء في الوجود خاضع له.
ودليل آخر ، ألم تعلم أيها النبي أيضا وكل مخاطب أن الله سخر البحر لتجري السفن فيه بأمره ، أي بلطفه وإحسانه ، وتهيئته الأسباب ، ليرشدكم إلى معرفته ، ويظهر لكم بعض آثار قدرته ، فإنه تعالى لولا جعله القوة في الماء لحمل السفن ، لما جرت بتأثير الرياح وغيرها من الطاقات المخترعة بإلهامه من فحم وكهرباء وذرة. إن في إيراد هذا الدليل وغيره لأدلة واضحة لكل صابر صبور وقت الشدة ، وشاكر شكور وقت النعمة ، لأن المؤمن يتذكر ربه في كل حال ، فيصبر إذا أصابته نقمة ، ويشكر إذا أتته نعمة. قال الشعبي : «الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصفه الآخر ، واليقين : الإيمان كله».
غير أن المشركين وأمثالهم قوم متناقضون ، فإذا أشرفوا على الغرق ، وأحاطت بهم أمواج البحر العالية أو العاتية كالجبال ، وخافوا من الموت ، عادوا إلى الفطرة ، ودعوا الله دعاء خالصا ، مشتملا على مزيد الضراعة والإنابة ، لا يشركون به غيره ، ويستغيثون به وحده ، فلما نجوا برحمته وفضله ووصلوا إلى شاطئ البحر ، ونزلوا إلى البر ، فمنهم مقتصد في الكفر ، يتجه فورا إلى توحيد إلى الله تعالى ، ومنهم غدار ناقض للعهد ، كافر بأنعم الله عزوجل ، وما يكفر بآيات الله الكونية والقرآنية إلا كل ختّار أي غدار ، قبيح الغدر ، كفور ، أي جحود بما أنعم الله عليه.
وذلك أن نعم الله تعالى على العباد كأنها عهود ومنن ، يلزم عنها أداء شكرها ،