ينجون به من النار أسفل السافلين ، وهو الجنة دار المتقين. وعلى التفسير الثاني وهو قول حسن كما قال ابن عطية : إن في جنس الإنسان من يعتريه الخرف والهرم ، لكن المؤمنين المتقين ، يكافئهم الله بثواب دائم غير منقطع ، بسبب صبرهم على ما ابتلوا به من الشيخوخة والهرم ، والمواظبة على الطاعات بقدر استطاعتهم ، أي إنهم قد يردّون إلى أرذل العمر كغيرهم ، لكن لهم أجر كبير دائم على أفعالهم ، وإن انقطعوا عن العبادة بسبب الضعف والهرم.
ثم وبّخ الله تعالى الكافر على التكذيب بيوم الجزاء والحساب بعد البعث بقوله : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) (٧) قال جمهور من المتأولين : المخاطب الإنسان الكافر ، أي ما الذي يجعلك كذابا بالدين ، أي بالجزاء في عالم الآخرة ، تجعل لله تعالى أندادا ، وتزعم ألا بعث بعد هذه الدلائل؟ لقد عرفت أن الله تعالى خلقك في أحسن تقويم ، وأنه بسبب الكفر يردك إلى النار مع أسفل السافلين ، فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء؟ لقد علمت البدأة ، وعرفت أن من قدر على البدأة ، فهو قادر على الرجعة بطريق أولى ، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد ، وقد عرفت هذا؟
وقال قتادة ، والفراء والأخفش : المخاطب في قوله تعالى : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) (٧)؟ هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، قال الله تعالى له : فما الذي يكذّبك فيما تخبر به من الجزاء والبعث ، وهو الدّين ، بعد هذه العبرة التي يوجب النظر فيها صحة ما قلت؟
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ ..) قال : هم نفر ، ردوا إلى أرذل العمر ، على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسئل عنهم حتى سفهت عقولهم ، فأنزل الله عذرهم ، أن لهم أجرهم الذي عملوا ، قبل أن تذهب عقولهم.
ثم أكد الله تعالى إيقاع الجزاء والبعث بقوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) أي أما هو أحكم الحاكمين قضاء وعدلا ، الذي لا يجور ولا يظلم ، ومن عدله أن يقيم