وهارون ، غير آبهين بعزة فرعون وجبروته. وهذا دليل على إسقاط ألوهية فرعون وربوبيته.
ولما رأى فرعون والملأ إيمان السّحرة ، وقامت الحجة بإيمان أهل علمهم ومظنّة نصرتهم ، وقع فرعون في الورطة العظمى ، فوقف موبّخا لهم على إيمانهم بموسى قبل إذنه ، وقال : أتؤمنون بموسى قبل استئذاني ، وكيف تعصون أمري ، وأنا الحاكم المطاع؟
وأضاف فرعون قائلا : وإنكم فعلتم ذلك بتواطؤ بينكم وبينه ، ولم تقوموا بمقتضى السّحر ، ليتغلّب موسى. وهذا تلبيس على القوم ، لئلا يعتقدوا أن إيمان السّحرة حقّ.
ولسوف تعلمون وبال فعلكم ، ومدى عقابكم. وهذا تهديد ووعيد.
وإني لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، بقطع اليد اليمنى ، والرّجل اليسرى ، ولأصلبنكم في جذوع النّخل بعد ذلك. فأجابوه قائلين : لا ضير ، أي لا حرج ولا ضرر علينا من ذلك ، ولا نبالي به ، فكل إنسان ميت ولو بعد حين ، ومرجعنا إلى الله عزوجل ، وهو سبحانه لا يضيع أجر المحسنين. وهذا لبّ الإيمان وإخلاص اليقين الذي لا شائبة فيه من رغبة في نفع ، أو رهبة من عقاب ، والمراد : فلا يضيرنا ذلك مع انقلابنا إلى مغفرة الله ورضوانه : وروي : أن فرعون أنفذ فيهم ذلك الوعيد ، وصلبهم على النيل.
وأضاف السّحرة قائلين : وإننا نرجو أن يغفر الله لنا ذنوبنا وسيّئاتنا بفعل السّحر ، لأجل كوننا أول أفواج أهل الإيمان الذين شهدوا هذا الموقف ، من القبط وصنيعتهم.
وهذا الموقف المشهود لإيمان السحرة سيظل مبعث تخليد وتقدير ، فرحم الله سحرة فرعون ورضي الله عن أولئك الذي انقلبوا في مشهد رهيب قادة أهل الإيمان ، وقمة الشهداء البررة في سبيل العقيدة الحقّة بالله عزوجل.