٢ ـ والله هو الذي جعل ظلام الليل ساترا كاللباس ، وجعل النوم كالموت قاطعا للحركة وتوفير الراحة ، وجعل النهار ذا انتشار في الأرض ، لابتغاء الرزق وغيره ، والانتشار واليقظة يشبه البعث والإحياء في مقابلة الإماتة والتوفي اللذين يتضمنها النوم والسبات.
٣ ـ والله هو الذي أرسل الرياح مبشرات بمجيء السحاب وهطول الأمطار والإنبات وتسيير السفن ، وأنزل من السماء ، أي السحاب ماء طاهرا مطهّرا ، يتطهر به في تنظيف الأجسام والملابس والأشياء المختلفة ، والانتفاع به في الطعام والشراب وسقي النباتات والحيوانات. وأنزل الله المطر لإحياء الأرض التي لا نبات فيها ، وطال انتظارها للغيث ، فتصبح بعد ريّها مزدهرة بأنواع النباتات والزهر والشجر ، كما جاء في آية أخرى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج : ٢٢ / ٥] ، والرياح جمعا إذا وردت في القرآن فهي للمطر والرحمة ، وإذا وردت مفردة فإنما هي للعذاب ، والطهور وصف مبالغة في «طاهر» فهو طاهر مطهّر.
وأنزل الله المطر أيضا ليشرب منه الإنسان ومختلف أنواعه ، والحيوان بفئاته ، للحاجة الشديدة إليه ، وإبقاء الحياة ، وازدهار الأرض بالخضرة ، كما ذكر في آية أخرى ، في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) [الشورى : ٤٢ / ٢٨].
فظهر بهذا أن منافع الماء شيئان :
١ ـ إحياء النبات ، لقوله تعالى : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) ووصف البلدة بالميت لأنه جعله كالمصدر الذي يوصف به المذكر والمؤنث ، أو تكون البلدة بمعنى البلد.
٢ ـ وإحياء الحيوان والإنسان لقوله سبحانه : (أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) والأناسي : جمع إنسان ، أو جمع إنسيّ. وقدم الله الأنعام وأخر الإنسان لشدة حاجة الحيوان ،