ما فعله قوم نوح ، حين كذبوا رسولهم نوحا عليهالسلام ، الذي مكث فيهم يدعوهم إلى توحيد الله تعالى ، ويحذرهم من عقابه ونقمته ألف سنة إلا خمسين ، فما آمن به إلا قليل ، فأغرقناهم بالطوفان ، وجعلناهم عبرة وعظة للناس يعتبرون بها ، وأعددنا وهيأنا عذابا مؤلما في الآخرة لكل ظالم كفر بالله تعالى ، ولم يؤمن برسله ، وسلك سبيلهم في تكذيب الرسل. وفي هذا تهديد الكفار قريش بأنه سيصيبهم من العذاب مثلما أصاب قوم نوح.
وجاء الوحي بخبر ثالث ، أمر الله نبيه بإعلان ، مفاده : اذكر أيها الرسول أيضا لقومك قصة عاد الذين كذبوا رسولهم هودا عليهالسلام ، وقبيلة ثمود الذين كذبوا رسولهم صالحا عليهالسلام ، وأصحاب الرّس أي البئر : وهم قوم من عبدة الأصنام بعث الله لهم شعيبا أو غيره ، فدعاهم إلى توحيد الله والإيمان به وبرسالته ، فكذبوه ، فخسف الله بهم الأرض ، واذكر أيها الرسول أمما كثيرة بين قوم نوح وعاد وأصحاب الرسّ ، لما كذّبوا الرسل ، أهلكناهم جميعا ، وكلا من هؤلاء الأقوام بيّنا لهم الحجج وأوضحنا لهم الأدلة ، وأزلنا الأعذار والشبهات عنهم ، فلم يؤمنوا ، وإنما كذبوا ، فأهلكناهم إهلاكا شديدا.
والقرون جمع قرن ، والقرن في الأظهر : هو الأمة المتعاصرة في الزمن الواحد ، وجملة (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) إيهام لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى.
وقصة رابعة هي قصة قوم لوط ، فلقد مرّ مشركو مكة على ديار قوم لوط ، أثناء تجارتهم إلى الشام في رحلة الصيف ، وبخاصة على سدوم أعظم قرى قوم لوط التي أهلكها الله بمطر السوء : وهو المصحوب بالحجارة من سجّيل (جهنم) أفلم يروا ما حل بتلك القرى من عذاب الله ونكاله ، بسبب تكذيبهم رسولهم ، ومخالفتهم أوامر الله؟! إنهم أي العرب يرون ذلك عيانا ، ولكنهم لم يعتبروا ، لأنهم لا يتوقعون