به ، ويمشون في الأسواق للتكسب والاتجار ، ولا يغض ذلك من شأنهم ولا يمسّ أقدارهم ، ولا يتنافى مع أحوالهم ومناصبهم ، ولقد اختبرنا بعضكم ببعض ، وبلونا بعضكم ببعض ، لنعلم الطائع من العاصي ، أي إن الله سبحانه أراد أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض في الجملة في جميع الناس ، مؤمن وكافر ، فالصحيح فتنة للمريض ، والغني فتنة للفقير ، والفقير الشاكر فتنة للغني ، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره ، وكذلك العلماء وحكام العدل ، إن هذا التقابل مدعاة للعبرة ، لأن الأشياء تتميز بأضدادها ، لذا قال الله تعالى : (أَتَصْبِرُونَ) أي هل تصبرون أيها المؤمنون أو لا؟ اصبروا على ما أراده الله لكم ، وكان ربك أيها الرسول بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع ، وبمن يستقيم وبمن ينحرف ويضل.
قال مقاتل : إن الآية نزلت في أبي جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، والعاص ابن وائل وغيرهم من أشراف قريش حين رأوا أبا ذر ، وعبد الله بن مسعود ، وعمارا ، وبلالا ، وصهيبا ، وسالما مولى أبي حذيفة ، قالوا : أنسلم فنكون مثل هؤلاء؟! فأنزل الله تعالى يخاطب هؤلاء المؤمنين : (أَتَصْبِرُونَ)؟ أي على ما ترون من هذه الحال الشديدة والفقر ، والجهد والإيذاء ، كأنه تعالى جعل إمهال الكفار والتوسعة عليهم فتنة للمؤمنين.
ورتب المشركون على إنكار بشرية الرسل بديلا فقالوا : هلا أنزل علينا الملائكة ، كما تنزل على الأنبياء ، فنراهم عيانا ، فيخبرونا بأن محمدا صادق في ادعائه النبوة ، أو نرى ربنا جهارا علنا ، فيخبرنا بأنه أرسله إلينا ، ويأمرنا بتصديقه واتباعه. ولما تمنت كفار قريش رؤية ربهم ، أخبر الله تعالى أنهم عظموا أنفسهم ، وسألوا ما ليسوا له بأهل.
والله لقد تكبروا واستكبروا عن الحق ، وتجاوزوا الحد في الظلم والكفر تجاوزا