التغيظ ، لشدة التهابها ، وصوت الزفير : وهو صوت ممدود كصوت الحمار المرجّع في نهيقه ، والتغيظ : احتدامات في النار كنار الدنيا.
الصفة الثانية : إذا ألقي الكفار في النار في مكان ضيق ، مقرّنين ، أي مربوط بعضهم إلى بعض ، صاحوا واستغاثوا قائلين : يا ثبورنا أي يا ويلنا ، ويا هلاكنا احضر ، فهذا وقتك ، والمقصود بالمكان الضيق من النار : التضييق عليهم من المكان في النار ، وذلك نوع من التعذيب. قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن أبي حاتم : «والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار ، كما يستكره الوتد في الحائط» أي يدخلون كرها وعنفا. وقوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) الثبور : الهلاك أو الويل ، وهو مصدر ، ومفعول : «دعوا» محذوف ، تقديره : دعوا من لا يجيبهم. لذا قال الله تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤)) أي يقال لهم على معنى التوبيخ والاعلام بأنهم مخلّدون : لا تقتصروا على حزن واحد ، بل أحزنوا كثيرا ، لأنكم أهل لذلك. وإنكم إن وقعتم في الهلاك ، فليس هو هلاكا واحدا ، وإنما أنواع كثيرة من الهلاك ، إما لتنوع ألوان العذاب ، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدّلوا غيرها. والمقصود تيئيسهم من الخلاص من العذاب بالهلاك ، والتنبيه إلى أن عذابهم أبدي ، لا خلاص منه.
وإذا كانت هذه أوصاف العذاب الأخروي للكفار ، فقل يا محمد لهؤلاء الكفرة الذين سيتعرضون لهذه الأحوال من النار ، على جهة التوبيخ واللوم ، والتوقيف والتهكم والتحسر : أهذا العذاب الذي وصفت لكم أفضل وأكرم أم نعيم جنة الخلد الذي يدوم إلى الأبد ، وقد وعدها المتقون الأبرار ، الذين أطاعوا الله فيما أمر به ، وانتهوا عما نهى عنه ، وكانت تلك الجنة لهم جزاء طاعتهم في الدنيا ، ومصيرهم أو مآلهم الحسن.