أولا ـ قال كفار قريش : ما هذا القرآن إلا كذب واختلاق ، اختلقه محمد (صلىاللهعليهوسلم) واستعان على جمعه بقوم آخرين من أهل الكتاب الذين أسلموا فيما بعد. فأجابهم الله تعالى بأنهم أتوا بما هو ظلم بيّن ، وقول باطل مكذوب مفترىّ على ربهم ، وهذا أشبه بمنطق الصبية الذين يعجزون عن مقاومة الشيء ، فيصفونه بأنه وهم فاسد ، وزور محض ، وكلام ساقط ، والحقيقة الساطعة عكس ذلك.
ثانيا ـ قال كفار قريش أيضا : إن هذا القرآن مجرد أكاذيب المتقدمين ، وأحاديث السابقين المسطرة في كتبهم ، اكتتبها محمد عن طريق أهل الكتاب : وهم في قول مجاهد : قوم من اليهود ، وفي قول ابن عباس : عبيد من الفرس كانوا للعرب ، أحدهم أبو فكيهة مولى الحضر مبيّن ، وجبر ، ويسار ، وعدّاس ، وغيرهم ، فهي تقرأ عليه صباح مساء ، أي دائما ، وخفية ، ليحفظها ، ثم يعلنها ، فأخبر الله تعالى أنهم ما جاؤوا إلا إثما وزورا ، أي ما قالوا إلا بهتانا وزورا ، والزور : تحسين الباطل ، فإنهم عرفوا محمدا في صغره وشبابه بأنه الصادق الأمين ، لا يصدر عنه شيء من الافتراء والأباطيل.
ثم أجابهم الله تعالى بأمر نبيه أن يقول لكفرة قريش ردا على أباطيلهم : لقد أنزل الله تعالى القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين ، وذلك بصدق وواقعية ، لا مجال لأحد من البشر في الإتيان به ، والله الذي أنزل القرآن ، يعلم السرائر كلها مهما دقّت أو خفيت ، كما يعلم بالظواهر ، وإن الله الذي أنزل القرآن رحمة بالعباد : هو المتصف بالمغفرة الواسعة والرحمة الشاملة. والإتيان بهذين الوصفين : «الغفور الرحيم» لفتح باب الأمل والتوبة ، ليرجع الجاحدون عن جحودهم ، ويتوبوا على تقصيرهم ، ويتجنبوا كل آفات ضلالهم. وهذا شأن المصلح والمربي الناجح ، لا يلجأ لأول وهلة للعقاب المادي ، وإنما يترفع ويسمو عن أخطاء الأدنياء ، فيتحقق النجاح