والذي تحمل معظم الإثم منهم : هو عبد الله بن أبي زعيم المنافقين ، له عذاب عظيم في الدنيا والآخرة ، فإنه أول من اختلق هذا الخبر ، ومعظم الشرّ كان منه ، أما عذابه في الدنيا : فبإظهار نفاقه ونبذه من المجتمع ، وأما في الآخرة : فهو في الدرك الأسفل من النار.
ثم أدّب الله تعالى المؤمنين بمناسبة هذه القضية وزجرهم بتسعة أشياء : أذكر منها هنا أدبين وأمرين خالفوا بهما أحكام التشريع الأساسية. وهما : هلا حين سمعتم أيها المؤمنون كلام الأفاكين في أم المؤمنين عائشة ، ظننتم بها خيرا بمقتضى الإيمان الذي يحمل على حسن الظن! وهلا بادرتم إلى القول صراحة : (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي كذب مختلق ، واضح مكشوف على أم المؤمنين رضي الله عنها! فإنها جاءت راكبة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة ، والجيش كله يشاهد ذلك ، ولو كان فيه شيء من الريبة ، لما تم الأمر هكذا جهارا نهارا.
وهلا أتى الأفاكون على ما قالوا بأربعة شهود ، يشهدون على ثبوت التهمة ، وصحة المعاينة ، فحين لم يأتوا بالشهود لإثبات التهمة ، فأولئك في حكم الله كاذبون فاجرون ، وهذا من الزواجر ، ومن التقصير في القيام بعبء الإثبات ، عملا بالقاعدة الكبرى : «البيّنة على من ادعى ، واليمين على من أنكر».
تأثيرات قصة الإفك في المؤمنين
إن الاتهام الرخيص سرعان ما يتبدد ويزول أثره ، ولا سيما إذا تولى الله تعالى بنفسه الدفاع عن سمعة المؤمن ، وحماه وبرّأه ، وقد كان لقصة الإفك أبعاد أو أحكام تنفيذية سريعة : وهي أن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي أرجئ عذابه ، فكان العذاب المتوعد به هو عذاب الآخرة ، وأن حسّان ومسطحا وحمنة بنت جحش أقيم عليهم