ويؤكد الله تعالى اقتراب العذاب من هؤلاء ، فيخبر سبحانه : لو شئنا لأريناك ما نوقعه بهم من النقم والبلاء والمحن ، ولكنا نؤخره لوقت معلوم ، لأن بعض ذرياتهم سيكون من المؤمنين الأصفياء.
والتوجيه الثاني : مقابلة الإساءة بالإحسان ، فقابل أيها النبي السيئة بالحسنة ، وتحمل ما تتعرض له من أنواع أذى المشركين وتكذيبهم ، وادفع بالخصلة التي هي أحسن ، بالصفح والعفو ، والصبر على الأذى ، والكلام الجميل ، كالسلام ، أي إنه أمر عليهالسلام بالصفح ومكارم الأخلاق ، لأن الله أعلم بحال القوم الضالين ، وبما يصفون ربهم من الشرك والتكذيب. وهذا وعد للنبي صلىاللهعليهوسلم ، معناه اشتغل أيها النبي بدعوتك ، وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا.
والتوجيه الثالث : الاعتصام بالله ، ومضمونه اعتصم بالله والتجأ إلى الله تعالى من وساوس الشياطين المغرية بالسوء والعصيان ومخالفة الأوامر ، وتعوذ بالله وتحصن من حضور الشياطين في شيء من الأمور ، فإنهم إذا حضروا كانوا معدّين للهمز ، وهذا توجيه للتحصن من الشيطان في كل أمر وفعل ، سواء في الأحوال العادية أو في سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه ، فإن النزعات وسورات الغضب هي من الشيطان. وهذه هي الحالة التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار ، فتزيد الحمية من تعقيد الأوضاع ، فإن كان هناك اعتصام بالله ، والتجاء إليه وتعوذ من الشيطان ، خفّت الأزمة ، وبرزت الحكمة ، والهمزات : جمع همزة ، والهمز : النخس والدفع والإثارة ، أو الوخذ باليد وغيرها.
وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يلتزم هذا التوجيه في كل الأحوال ، أخرج أبو داود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «اللهم إني أعوذ بك من الهرم ، وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان