مترفيهم وهم أهل النعمة والبطر في العذاب الشديد والبأس والنقمة ، صرخوا وضجوا واستغاثوا صائحين ، مما يدل على ضعفهم. ويقال لهم يوم حلول العذاب بهم : (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي تقول لهم الملائكة : لا فائدة ولا جدوى من هذا الصراخ والعويل اليوم ، فلا يدفع عنكم العذاب الذي وجب عليكم ، ولن تجدوا ناصرا ينصركم ، ويحول بينكم وبين العقاب الأليم.
وأسباب حجب النصر عنهم ثلاثة وهي :
١ ـ أنهم كانوا إذا تليت عليهم آيات القرآن نفروا منها ، وأعرضوا عن سماعها وعن تاليها ، أي إنهم يعرضون عن الحق ، وإذا دعوا إليه أبوا.
٢ ـ وهم في حال نكوصهم أو إعراضهم عن الحق ، تراهم مستكبرين متعالين على الحق ، ممتهنين الحق وأهله. وقوله تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) الضمير يعود على البيت الحرام ، أي الحرم والمسجد ، فهم يعتقدون أن لهم بالمسجد والحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل عند الله ، فهم مستكبرون لذلك. وليس الاستكبار من الحق ، كما أن سماع الآيات يحدث لهم كفرا وطغيانا.
٣ ـ وهم سمّار في الليل أو النهار حول البيت الحرام ، يتكلمون بسوء القول ، ويطعنون بالقرآن والنبي. قال سعيد بن جبير فيما يرويه ابن أبي حاتم : كانت قريش تسمر حول البيت ، ولا تطوف به ، ويفتخرون به ، فأنزل الله : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧)) والهجر : الهذيان والفحش.
وبواعث هذه الأحوال المرضيّة السيئة لكفار قريش أربعة :
١ ـ أنهم لا يتدبرون القرآن ، أي لا يفهمون المراد منه ، ولا يدركون غاياته وأهدافه السامية ، مع أنهم لمسوا عظمة بيانه ، وفصاحة تعبيره ، وقوة مضمونه.