جماعة بعيسى عليهالسلام وانتهاء بمحمد صلىاللهعليهوسلم للصلة القريبة بينهما ، وتتابع مهمتهما ، وكون أحدهما أتى مباشرة بعد الآخر ، أمرهما بالأكل من الطيبات : الحلال بلذة وبغير ذلك والمشهور أن عيسى عليهالسلام كان يأكل من بقل البرية. والخطاب في الراجح وإن كان في هذه الآية لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فيراد به التنبيه إلى أن هذه المقالة قد خوطب بها كل نبي ، أو هي طريقتهم التي ينبغي لهم البقاء عليها ، كما تقول لتاجر : يا تجار ينبغي أن تجانبوا الربا ، فهو خطاب له بالمعنى.
وأردف الله الأمر بالحلال بالأمر بالعمل الصالح ، لا لأن الأنبياء كانوا مقصرين بالعمل الصالح ، وإنما للإفادة بأنهم ملازمون للعمل الصالح ، فيقتدي بهم الناس. والعمل الصالح : اتباع الفرائض واجتناب النواهي.
وأما في مجال الأفق الديني والسياسي : فإن الله أمر الناس بوحدة الدين والملة والسياسة ، لأن دين الأنبياء دين واحد وملة واحدة ، وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له. وهذا شيء متفق عليه بين جميع الأنبياء ، وأما اختلاف الفروع والجزئيات من شرائع وأحكام فرعية ، فهو بحسب اختلاف الزمان والحال ، وهذا لا يسمى اختلافا في الدين. وأما الاختلاف الواقع بين أتباع الدين والأنبياء فإنما نشأ من أنفسهم ، فهم الذين فرّقوا أمر الدين ، وقطّعوه ومزّقوه ، وصاروا فرقا وأحزابا ، كل حزب بما لديهم فرحون ، أي معجبون بما هم عليه ، معتقدون أنه الحق الأسدّ ، وأنهم مهتدون راشدون. وهذا ذم صريح للتفرق ، وتوبيخ وتوعد عليه. لذا أمر الله نبيه بقوله : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤)) أي دعهم واتركهم في جهالتهم وضلالهم إلى حين موتهم ورؤيتهم أمارات العذاب ، كما جاء في آية أخرى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)) [الحجر : ١٥ / ٣].
وزيادة في اللوم ، يعاتب الله تعالى هؤلاء المفرّقين دين الأنبياء ، ومضمون ذلك