والرجلين ، تشتمل على العظام والأعصاب والعروق. ثم يغطي الله تعالى العظام المخلوقة أولا بما يسترها ويشدها ويقويها ، وهو اللحم ، لأن اللحم يستر العظم ، فجعل اللحم كالكسوة للعظم. ثم ينشئ الله تعالى الجنين خلقا آخر ، أي مباينا للخلق الأول ، بأن ينفخ الله فيه الروح ، فيتحرك ، ويصير خلقا آخر ذا سمع وبصر ، وإدراك وحس ، وحركة واضطراب.
فتبارك الله أحسن الخالقين ، أي تعالى شأنه في قدرته وحكمته ، وتنزه وتقدس الله أحسن المقدّرين المصوّرين. وكلمة «تبارك» مطاوع «بارك» كأنها بمنزلة «تعالى وتقدّس» من معنى البركة. وهذه الآية يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لما سمع صدر الآية ، إلى قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) قال فيما رواه الطيالسي وغيره عن أنس : «فتبارك الله أحسن الخالقين» فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هكذا أنزلت. وقوله سبحانه : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) معناه : أحسن الصانعين ، ولا صانع ولا خالق غير الله تعالى ، وخلقه وصنعه أقوم صنع وأحسنه وحسنه ، فهو حسن وأحسن ، ولا يراد بذلك التفاضل بينه وبين غيره تعالى ، وإنما الدلالة على كمال الخلق وحسنه وتمام إبداعه وتكوينه.
وبعد تمام الخلق والولادة والحياة في الدنيا ، إنكم أيها البشر بعد النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت. ثم تبعثون من قبوركم أحياء للنشأة الآخرة ، للحساب والجزاء ثوابا وعقابا ، كما قال الله تعالى : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) [العنكبوت : ٢٩ / ٢٠] يعني يوم المعاد. وهذا خبر بالبعث والنشور.
وانتقال الإنسان بموتتين : الأولى قبل وجوده والثانية بعد موته ، ثم انتقاله بحياتين : حياة الدنيا وحياة الآخرة : دليل واضح على قدرة الله عزوجل ، لأن هذا الانتقال في صورتين متتاليتين يحتاج إلى مبدع خالق ، ألا وهو الله أحسن الخالقين.