فخاطب جميع العالم بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) قاطبة ، ضرب الله تعالى مثلا لهذه الأصنام ، فاستمعوا لهذا المثل ، وتفهموا حال تلك المعبودات ، فإذا أدركتم حالها ، وبقيتم على عبادتها ، كنتم أسوأ منها. إن ما تعبدون من غير الله من الأصنام والأنداد ، لن يقدروا على خلق أتفه شيء ، ولو ذبابة واحدة أو بعوضة ، حتى ولو اجتمع لهذه المهمة جميع تلك المعبودات وعابديها ، وكما أنها عاجزة عن خلق ذبابة واحدة ، فهي عاجزة عن مقاومة الذباب والانتصار منه ، فإن يسلبها الذباب شيئا مما عليها من الطيب الذي كانوا يضمخون به أوثانهم ، لم يقدروا على استنقاذه منها ، علما بأن الذباب أضعف مخلوقات الله ، لذا قال تعالى : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) أي عجز الطالب وهو الإله المعبود من دون الله ، أي الصنم ، من استنقاذ الشيء المسلوب من الذباب المطلوب ، أو ضعف عابد الصنم والصنم المعبود.
وعلى أي من القولين دلّ ضعف الذباب المحسوس ، وضعف الأصنام الملموس ، على أن الأصنام في أحط رتبة ، وأخسّ منزلة ، ومن عبدها كان على شاكلتها ، بل أسوأ منها ، لأن كرامة الإنسان وارتقاءه أشرف من أن يذل لحجر أو معدن أو هيكل فارغ المحتوى والمعنى.
تعظيم الله وتوحيده واختياره
الإله المالك الخالق الرازق المنعم المتفضل ، يتطلب طبعا وعقلا الإقرار بعظمته ، وتوحيده ، وإفراد الأمر إليه في اختيار ما يشاء ، وإرادة ما يريد ، سواء في الإحياء والإماتة ، أو الرزق والنعمة ، أو إرسال الرسل ، واختيار الملائكة ، وإنزال الكتب ، فهو العليم بالمصلحة ، وإليه المرجع والمآب ، لا رادّ لقضائه ، ولا معقّب لحكمه. غير