المحبة واللطف بين الناس ، ثم أنزل الله القرآن الكريم جامعا بين منهج المادة والروح ، منسجما مع العلم والعقل ، واضعا كل ما يحقق تقدم الحضارة الإنسانية ، فكان تشريع القرآن معتدلا ، ووسطا بين الشرائع ، وصالحا لكل زمان ومكان.
وإذا كان هذا هو شأن التدرج في الشرائع ، فلا يصح لمعاصريك يا محمد أن ينازعوك في أمر الدين والكتاب والشريعة ، فلكل أمة شريعة خاصة ، تناسب الزمان الذي جاءت فيه ، ولا تتأثر أو تنزعج أيها النبي بمنازعتهم لك ، واثبت على دينك الحق ثباتا ، لا يتزعزع ولا يلين.
وادع هؤلاء المنازعين والمسالمين ، أي كل الناس إلى سبيل ربك ودينه الحق ، فإنك على طريق واضح مستقيم ، موصل إلى المقصود ، وهو سعادة الدنيا والآخرة ، كما جاء في آية أخرى : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧)) [القصص : ٢٨ / ٨٧].
وإن لم يصغ الناس إلى دعوتك الموحدة هذه ، وجادلوك بالباطل ، بعد أن ظهر الحق ، فقل لهم على سبيل التهديد والوعيد : الله عليم بما تعملون وبما أعمل ، ويجازي كل امرئ بما عمل ، كما قال الله سبحانه في آية أخرى : (وَإِنْ) (كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)) [يونس : ١٠ / ٤١].
وقل لهم أيضا متوعدا ومحذّرا : الله يقضي بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة ، فيما اختلفوا فيه من أمر العقيدة والدين ، والقضاء مقدمة للجزاء الحاسم ، المتردد بين الجنة والنار ، والثواب والعقاب ، الجنة والإثابة لمن قبل بدعوة القرآن ، والنار والعذاب لمن رفض هذه الدعوة ، وبه يتبين الحق من الباطل ، والمحق من المبطل.
ثم أخبر الله تعالى عن كمال علمه بالمخلوقات والكائنات كلها قبل خلقها ، وبما يستحقه كل من المحسن والمسيء ، فلقد علمت أيها الرسول وكل مؤمن برسالتك أن