يستحلون القتال في الشهر الحرام ، فأبى المشركون ذلك ، وقاتلوهم ، وبغوا عليهم ، فقاتلهم المسلمون ، ونصروا عليهم ، فنزلت هذه الآية.
هذا وعد كريم من الله تعالى للمهاجرين المجاهدين. فلما مات بالمدينة عثمان بن مظعون ، وأبو سلمة بن عبد الأسد ، قال بعض الناس : من قتل من المهاجرين ، أفضل ممن مات حتف أنفه ، فنزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) مسوّية بينهم في أن الله تبارك وتعالى يرزق جميعهم رزقا حسنا ، وليس هذا بقاض بتساويهم في الفضل.
وظاهر الشريعة : أن المقتول في الجهاد أفضل. والجنة درجات. ويستوي جميع المهاجرين في الرزق الحسن وهو الجنة ، فالذين خرجوا مهاجرين في سبيل الله وتركوا أوطانهم ابتغاء مرضاة الله ، ثم قتلوا في الجهاد ، أو ماتوا قضاء وقدرا من غير قتال ، ليمنحنهم الله الجنة ، وليرزقنهم رزقا حسنا ، من فضله وكرمه ، إن الله هو خير الرازقين ، يرزق من يشاء بغير حساب ، كما جاء في آية أخرى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ٤ / ١٠٠].
إن هذا الرزق الحسن : هو إدخال هؤلاء المهاجرين المجاهدين في سبيل الله موضعا كريما ، يرضون عنه ، وهو الجنة ، أو رزق الشهداء عند ربهم في البرزخ ، وإن الله لعليم تام العلم بمن هاجر وجاهد في سبيله ، وبمن يستحق ذلك ، فهو عليه.
ذلك الأمر المخبر به من إنجاز الوعد للمهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا : هو لأنهم ضحوا في سبيل الله ، وقاوموا أهل الظلم ، فمن عاقب من المؤمنين من ظلمه من الكفرة ، أو من اعتدي عليه ، وقوتل ظلما ، ومن بغي عليه بإلجائه إلى الهجرة ومفارقة الوطن ، لينصرنه الله نصرا مؤزرا ، إن الله ليصفح عن المؤمنين ، ويغفر لهم خطأهم