إن استعجل القرشيون المكيون عذاب الله ، فقل لهم يا محمد : إنما أنا لكم نذير من عذاب الله ، أي مجرد منذر ومحذر واضح المقصد ، ليس لي أن أعجل عذابا ، ولا أن أؤخّره عن وقته ، أرسلني الله إليكم لأحذركم من الوقوع في العذاب الشديد ، وليس إلي من حسابكم شيء ، بل أمركم إلى الله : إن شاء عجل لكم العذاب ، وإن شاء أخّره عنكم ، وإن شاء تاب على من يتوب إليه ، وهو سبحانه الفعال لما يريد ويختار ، ومهمتي كما تتضمن الإنذار والتخويف ، تتضمن التبشير بالجنة والترغيب ، لفتح باب الأمل أمام المقصرين ، وتدارك أخطاء الماضي ، وعلاج الأحداث. فالناس صنفان : صنف المؤمنين ، وصنف الكافرين.
أما الصنف الأول : فهم الذين صدقت قلوبهم بوجود الله وتوحيده ، وصدقوا الرسول وما أنزل عليه من الكتاب ، وآمنوا بالملائكة واليوم الآخر ، وقرنوا بإيمانهم أعمالهم الصالحة من أداء الفرائض ، والتقرب بالقربات ، وإحسان القول والفعل ، وهؤلاء يغفر الله لهم سيئاتهم ، ويثيبهم على عملهم الصالح ، ويرزقهم رزقا حسنا في الدنيا ، ورزقا كريما في الآخرة وهو الجنة التي وصفها تعالى بقوله : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) [الزخرف : ٤٣ / ٧١] وأيد ذلك وصف الرسول صلىاللهعليهوسلم لها بما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه : «فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر».
ووصف الرزق بالكريم : «رزق كريم» لنفي المذام ، كما تقول : ثوب كريم ، ومنزل كريم.
وأما الصنف الثاني : فهم الذين كفروا بربهم وبآياته المنزلة في قرآنه ، وكانوا معاجزين ، مجاهدين في إبطال آيات الله ، وردّ دعوة الدين والتكذيب بها ، وثبّطوا