إن الله تعالى يعلم الغيب كله ، ويعلم ما يظهره الناس وما يسرون ، ويعلم ما يطعنون به في الإسلام ، وما يضمرونه من الحقد والكيد على المسلمين ، وسيجزيكم الله على قليل ذلك وكثيره.
وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم ابتلاء واختبار لكم ، وتمتع باللذات والمنافع الدنيوية إلى أجل مسمى ، لينظر ماذا تعملون. وقوله تعالى : (لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ) الضمير يعود على الإملاء والإمهال لهم ، والفتنة : الاختبار والابتلاء ، والمتاع : ما يستمتع به مدة الحياة الدنيا.
ثم أمر الله نبيه أن يقول على جهة الدعاء : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) أي افصل بيننا وبين قومنا المكذّبين بالحق والعدل ، فإنك لا تحكم إلا بالحق ، ولا تحب إلا الحق. وفي هذا الدعاء توعد ، أي إن الحق هو نصرتي عليكم.
ثم علّم الله نبيه كيفية التوكل عليه ، والاستعانة بالله تعالى ، أي إن الله ربنا هو المستعان ، ويطلب منه العون على وصف الشرك والكفر ، والكذب والباطل ، ومفاد قولهم المزعوم : أن لله ولدا ، وأن محمدا ساحر شاعر ، وأن القرآن شعر ، وأنهم طامعون في الانتصار على المسلمين ، بحيث تكون الشوكة والغلبة لهم.
وهذا الطلب والاحتكام إلى الله : إنذار للمشركين ، وإظهار للحق ، وتوعد للكفرة ، وتهديد بالهزيمة والاندحار أمام جند الحق والإيمان ، وأنصار الرحمن والقرآن ، وقد تحقق هذا الإنذار ، فإن الله نصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا هو الحي القيوم. وهذا دليل آخر على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم في دعوته ، وأنه رسول من عند الله تعالى لخير البشرية.