فلم يظهر شكواه إلا بعد طول العهد ، واستمرار الضر والمرض ، وحينئذ تضرع إلى ربه فكشف الله عنه البلاء ، وعوّضه خيرا ، قال الله تعالى واصفا هذه الحال :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)) (١) [الأنبياء : ٢١ / ٨٣ ـ ٨٤].
كان أيوب عليهالسلام من بني إسرائيل المثل الأعلى والمشهور بين الأنبياء والناس في الصبر على المحنة وشدة البلاء ، حتى ضرب به المثل ، فقيل : مثل صبر أيوب. وأثبت القرآن الكريم هذا المعنى في هذه الآيات ، ومعناها : واذكر أيها الرسول محمد للعبرة والعظة خبر أيوب الذي أصابه البلاء في ماله وولده وجسده ، ففسد ماله ، وتفرق عنه أهله ، وأصابه المرض ، وأساء له ذريته ، فكان كلما أخبر بشيء من ذلك ، أو تعرض له ، حمد الله تعالى ، وقال : هي عاريّة استردها صاحبها ، والمنعم بها ، ولم يبق معه بشر حاشا زوجته ، ويقال : كانت بنت يوسف الصدّيق ، واسمها رحمة. ومكث أيوب عليهالسلام صابرا مدة طويلة من الزمان ، لم يدع ربه في كشف ما به ، حتى شمت به قوم ، فتألم لذلك ، ودعا ربه حينئذ قائلا : «ربّ إني مسّني الضّر وأنت أرحم الراحمين» وكان مرضه في جلده ، ولكن خلافا لما نجده في الروايات الإسرائيلية لم يكن مرضه منفّرا ؛ لأن شرط النبي السلامة عن الأمراض المنفرة طبعا.
فأجاب الله دعاءه ، وعافاه من مرضه بالاستحمام في ماء معدني والشرب منه ، ورفع عنه الضر ، ورد الله عليه أهله وزيادة مثل آخر ، وعوضه عما فقد في الدنيا. وقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) مختلف فيه في وقت الإيتاء. فقيل : أوتي جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال ، وهذا هو الظاهر. وقيل : إيتاء الصحة
__________________
(١) منصوب بفعل مضمر تقديره : واذكر أيوب.