ينطقون ، فكيف تطلب منا سؤالهم إن كانوا ينطقون؟! أي إنهم احتجوا على إبراهيم بما هو الحجة لإبراهيم عليهم ، بسبب الحيرة التي أدركتهم.
وحينئذ وجد إبراهيم عند هذه المقالة موضع الحجة ، فوبخهم على عبادتهم تماثيل ، لا تنفع بذاتها ولا تضر.
ولقد احتج إبراهيم عليهالسلام على قومه بحجتين عقليتين مقبولتين وهما : الأولى : قوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) فلو كانت الأصنام تعقل ، أو تتمكن من حماية نفسها وغيرها ، لكان شأن الكبير حماية الأتباع والصغار.
الثاني : قوله (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) ليقولوا على الفور : إنهم لا ينطقون ، ولا ينفعون ولا يضرون ، فيقول لهم : فلم تعبدونهم إذن؟ فتقوم الحجة عليهم.
لقد حقق إبراهيم عليهالسلام مأربه بالاعتذار بقوله : «إني سقيم» وهذه في الظاهر كذبة ، لكنها من أجل المصلحة ، وهي كذبة في ذات الله تؤدي إلى خزي قوم مشركين وثنيين ، والحديث الصحيح يقتضي ذلك ، وهو قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، قوله : «إني سقيم» وقوله : «بل فعله كبيرهم هذا» وقوله للمليك : «هي أختي» (١)». أي قوله للملك الذي أراد زوجته ، فحماها الله منه ، بقول إبراهيم : «هي أختي» ، أي إنها أخت له في الإسلام والإنسانية ، والحقيقة : هذه الحالات هي كذبات في الظاهر ، لكنها في الحقيقة والواقع لتحقيق مصلحة كبري تتعلق بالحفاظ على الدين أو النفس أو العرض.
__________________
(١) رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.