الدنيا كما متّع آباءهم ، حتى طال عليهم العمر فيما هم فيه ، فاعتقدوا أنهم على شيء ، والحقيقة أنهم مع مرور الزمان في غفلة ، حتى اغتروا بنعم الله ، ونسوا شكرها ، ثم وعظهم الله بعظة بليغة تتعلق بمواضع العبرة في الأمم والبشر ، وهذه العظة مضمونها : أفلا يرون رأي العين التي تتبعها رؤية القلب ما يتعرض له بعض معمور الدينا وأطرافها من خراب ، وحال بعض البشر من نقص وموت ، فيكون المراد حينئذ أهل الأرض. وحقيقة توبيخهم هي : أهم يغلبون من غلب جميع أهل الأرض ، وقهر الكل بسلطانه وعظمته؟ أي إن ذلك محال بيّن ، بل هم مغلوبون مقهورون.
وفي قوله تعالى : (نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) إشارة واضحة إلى التقلبات والأحداث التي تطرأ على أحوال الدنيا ، أو تصف وجود الكرة الأرضية ، أما التقلبات : فهي التي تحدث في أثناء الفتوحات ، حيث تمتد رقعة شعب ، وتضيق رقعة شعب آخر ، ففي الماضي كانت تتقلص أراضي المشركين المعتدين بفتح المسلمين لها ، واتساع نفوذهم ، فيكون المسلمون بإرادة الله وقوته هم الغالبين ، والمشركون هم المغلوبين وفي هذا عبرة للمعتبر. وأما حال الأرض : فهي كما أثبت العلماء المعاصرون غير تامة التكوير والاستدارة ، وإنما هي مفلطحة ، وهو ما يعبر عنه بالخط الإهليجي في القطب الشمالي والجنوبي ، مما يدل على وجود صانع مدبر ، هو الإله ذو القدرة النافذة ، والسلطان المطلق ، يتحكم في الأرض أثناء دورانها ، ويخلق الله ما يشاء ، ويحكم بما يريد.
وليتأمل الإنسان قول الله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) معناه بالقدرة والبأس ، والأرض عامة في الجنس. كما يتأمل (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي من جوانبها لا من وسطها ، ويراد به : إما ما يخرب من المعمور ، فذاك بعض الأرض ، وإما أن