لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)) (١) (٢) [الأنبياء : ٢١ / ١١ ـ ٢٠].
المعنى : وكثيرا ما أهلكنا من أهل المدن والقرى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله وتكذيب الرسل ، وأوجدنا بعد إهلاكهم قوما آخرين. وقوله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) معناه : أهلكنا أهل القرى في اليمن وغيرها ، فلما تيقنوا أن العذاب واقع بهم فعلا لا محالة ، كما توعدهم نبيهم ، إذا هم يفرّون هاربين منهزمين من قريتهم ، لما أدركتهم مقدمات العذاب.
ويقال لهم تهكما واستهزاء حينئذ : لا تركضوا هاربين من نزول العذاب ، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة التي أبطرتكم ، وإلى مساكنكم التي اغتررتم بفخامتها ، لتسألوا عما كنتم فيه ، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة ، لماذا وقع بكم هذا العذاب؟!
وفي الجواب اعتراف بالسبب صراحة ، إنهم اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك. فما زالوا يرددون اعترافهم بالظلم ، حتى جعلهم الله مثل الحصيد خامدين بلا حركة. أي لم ينطقوا بغير التأسف. والحصيد يشبّه بحصيد الزرع بالمنجل ، أي ردّهم الهلاك كذلك ، وخامدين : أي موتى دون أرواح ، مشبهين بالنار إذا طفيت.
وإنزال هذا العقاب بهم حق وعدل ، فكل ما يصدر عن الله عدل وحق ، فالله ما أوجد السماوات والأرض إلا بالحق ، أي بالعدل والقسط ، لا للهو والعبث ، فإنه سبحانه خلق السماء والأرض ، لتكون دليلا على معرفة الخالق لها ، ولمنافع أخرى دنيوية ، وليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
__________________
(١) لا يكلّون.
(٢) لا يسكنون عن نشاطهم.