وجاء في الصحيح أن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعالج من الوحي شدة ، فكان يحرك به لسانه ، فأنزل الله هذه الآية. يعني أنه صلىاللهعليهوسلم كان إذا جاءه جبريل بالوحي ، كلما قال جبريل آية ، قالها معه ، من شدة حرصه على حفظ القرآن ، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه ، لئلا يشق عليه.
والمعنى : كما قدّرنا أحوال الخليقة ، وجعلنا أمور الآخرة حقيقة أمام العباد ، كذلك حذّرنا هؤلاء أمر القيامة ، وأنزلنا القرآن عربيا ، وتوعدنا فيه بأنواع من الوعيد ، لعلهم ـ بحسب توقع البشر وترجّيهم ـ يتقون ويخشون عقابه ، فيؤمنون ويتذكرون نعم الله ، وما حذّرهم من أليم عقابه ، (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) أي أو يكسبهم شرفا ، ويبقي عليهم إيمانهم ، وذكرا صالحا في الغابرين ، فيكون القرآن خيرا للعرب ، إنه نزل بلغتهم مبشرا ومحذرا ، وكان وسيلة وسببا لرفع شأنهم وإعلاء منزلتهم ، على ممر الدهر والتاريخ.
وناسب تعظيم شأن القرآن إبانة ما يلازمه : وهو تعظيم منزل القرآن ، وهو الحق سبحانه وتعالى ، لذا قال الله بعدئذ : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) أي تقدس وتنّزه الله الملك ، المتصرف بالأمر والنهي ، الثابت الذي لا يزول ولا يتغير ، تعاظم وتنزه عن إلحاد الملحدين ، وعما يقول المشركون ، فإنه الملك حقا ، الذي بيده الثواب والعقاب والسلطان كله. وحقه وعدله تعالى : ألا يعذب أحدا قبل الإنذار وبعثة الرسل والإعذار إلى خلقه ، لئلا يبقى لأحد حجة ولا شبهة.
والمناسبة واضحة بين هذه الآية وما قبلها ، لأنه سبحانه لما أبان صفة سلطانه يوم القيامة ، وعظم قدرته ، وذلة عبيده وتلطفه بهم ، ختم ذلك بهذه الكلمات ، بوصف الله أنه صاحب الملك والسلطان ، وهو الإله الحق الثابت ، الذي لا يزول ، ولا ينازعه أو ينافسه أحد في ألوهيته.