ثم أمر الله تعالى موسى بالعودة إلى مكانه ، فرجع موسى وهو شديد الخوف من تحركات الحية المخيفة ، وهذا شأن البشر ، فإنهم يخافون من الثعابين. فقال الله له : خذ هذه الحية بيمينك ، ولا تخف منها ، سنعيدها بعد أخذها إلى حالتها الأولى التي تعرفها قبل ذلك. وكان موسى يكرر إلقاء العصا فتصير حية ، ثم يمسك بها فتعود عصا كما كانت.
ثم أمر الله تعالى موسى أن يضم يده إلى جناحه ، أي إلى جنبه ، وهو الجناح استعارة ومجازا. يا موسى اضمم يدك اليمنى إلى جنبك تحت العضد ، واجعلها تحت الإبط الأيسر ، تخرج بيضاء لامعة ذات نور ساطع ، يضيء بالليل والنهار ، كضوء الشمس والقمر ، من غير سوء ، أي من غير برص ولا أذى ولا شين ولا مثلة ، علما بأن جلد موسى كان أسمر ، وهذه معجزة أخرى غير العصا.
ثم رد يده بعد وضعها على جنبه ، فعادت كما كانت بلونها الأسمر المعتاد ، وإذا حاول السحرة إبطال معجزة العصا ، فإنه لم يحاول أحد إبطال معجزة اليد.
كان موسى عليهالسلام يكرر أيضا هذه المعجزة ، فإذا أدخل يده في جيبه ، ثم أخرجها ، تخرج تتلألأ ، كأنها فلقة قمر ، قال الحسن البصري : أخرجها والله كأنها مصباح ، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عزوجل.
ثم قال الله تعالى : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣)) أي فعلنا هذا بك لنريك بهاتين الآيتين بعض دلائل قدرتنا على كل شيء ، في السماوات والأرض ، والمخلوقات الموجودات ، وقد وصف الله تعالى الآيات بالكبرى ، على ما تقدم من قوله ، لمناسبة أواخر الآيات : (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) و (مَآرِبُ أُخْرى) ونحوه ، ويحتمل أن يريد تخصيص هاتين الآيتين بأنهما أكبر الآيات ، كأنه قال : لنريك الكبرى من آياتنا ، فهما معنيان.
والخلاصة : لما أراد الله تبارك وتعالى أن يدرّب موسى على تلقي النبوة وتكاليفها ،