وأذربيجان. فقال سكان السد بين الجبلين : إن يأجوج ومأجوج (وهما قبيلتان من بني آدم) يفسدون في أرضنا بالتخريب والقتل والظلم ونحوه من مفاسد البشر.
فهل توافق على أن نعطيك جعلا من المال ، على أن تقيم بيننا وبين هؤلاء المفسدين حاجزا منيعا يمنعهم من الوصول إلينا؟
قال لهم ذو القرنين : ما بسط الله لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم ، ولكن أعينوني بقوة الأبدان ، وبعمل الأيدي ، أعطوني قطع الحديد ، حتى إذا حاذى بالبنيان رؤوس الجبلين طولا وعرضا ، قال للعمال المساعدين : انفخوا بالكير على هذه القطع الحديدية ، حتى اشتعلت النار المتوهجة ، ثم صبّ النحاس المذاب على الحديد المحمى والحجارة ، فصار كله كتلة متلاصقة وجبلا صلدا ، وانسدت فجوات الحديد. فما قدر المفسدون من يأجوج ومأجوج أن يصعدوا فوق السد ، لارتفاعه وملاسته ، وما استطاعوا نقبه من الأسفل ، لصلابته وشدته ، وأراح الله منهم القبائل المجاورة ، لفسادهم وسوئهم.
وقال ذو القرنين بعد إقامة السد المنيع الحصين لأهل تلك الديار : هذا السد نعمة ، وأثر من آثار رحمة ربي بهؤلاء القوم الضعفاء ، فإذا حان أجل ربي وميعاده بخروجهم من وراء السدّ ، جعله ربي مدكوكا منهدما ، مستويا ملصقا بالأرض ، وكان وعد ربي بخرابه ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وبكل ما وعد به حقا ثابتا لا يتخلف ، كائنا لا محالة.
إن تطواف ذي القرنين في أنحاء الأرض ذو أثر كبير في التاريخ ، فهو تطواف مؤيد بمعونة الله ، من أجل مقاومة الفساد الخلقي والفوضى الاجتماعية ، وغرس أصول الإيمان والحق والخير ، وحمل الناس على منهاجه السديد وخطته الإصلاحية ، وبها يعرف ما لذي القرنين الرجل الصالح من آثار طيبة وأعمال صالحة ، تشبه أعمال الرسل والأنبياء ، وتدل على حب الخير للإنسانية جمعاء.