هذه المرة ، فلا تتخذني صاحبا لك ، قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى ، حيث خالفتك مرتين إلى الآن ، وهذا كلام يدل على شدة الندم.
روى ابن جرير الطبري عن أبي بن كعب قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا ذكر أحدا ، فدعا له ، بدأ بنفسه ، فقال ذات يوم : رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه ، لأبصر العجب ، ولكنه قال : «إن سألتك عن شيء بعدها ، فلا تصاحبني ، قد بلغت من لدني عذرا».
وأما قصة الجدار : فهي أن موسى والخضر مشيا بعد الحدثين السابقين ، حتى إذا وصلا إلى قرية هي أنطاكية ، طلبا من أهلها إطعامهما وسد جوعتهما ، فرفضوا الضيافة ، وذلك إخلال بالمروءة ، وبخل وشح. فوجد موسى والخضر في تلك القرية حائطا آيلا إلى السقوط ، فرده الخضر كما كان ، ونسبة إرادة السقوط للجدار : على سبيل الاستعارة ، فقال موسى للخضر : ليتك تطلب أجرة على إصلاح الجدار ، لأن أهل هذه القرية لم يضيفونا ، فلا يستحقون العمل مجانا ، فأجابه الخضر : هذا الإنكار أو الاعتراض الثالث سبب الفراق بيننا ، بحسب الشرط الذي بيننا ، وسأخبرك ببيان أسباب الأفعال التي أنكرتها علي ، ولم تصبر عليها ، وهي خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار. وهذا الموقف من الخضر عتاب لموسى ، ولوم له على عدم الصبر.
قال ابن عطية في تفسيره : ويشبه أن تكون هذه القصة أصلا للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة أيام ، وأيام التلوم ثلاثة ، فتأمله.
والواقع أن موسى عليهالسلام كان معذورا في اعتراضاته ، لأنه بحسب قواعد الشريعة مطالب بإنكار المنكر ، وأما الخضر فكان أيضا على حق ؛ لأنه يفعل بإلهام من الله ، وتنفيذ لمراد الله تعالى.