صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)) (١) [الكهف : ١٨ / ٤٧ ـ ٤٩].
المعنى : اذكر أيها الرسول يوم تذهب الجبال من أماكنها ، ونبددها فتصير كالسحاب هباء منثورا ، كما جاء في آية أخرى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥)) [طه : ٢٠ / ١٠٥].
وتنظر أيها الإنسان إلى الأرض ، فتراها ظاهرة بادية ، لا جبال فيها ولا وديان ، جميع الخلق على صعيد واحد ، صافون صفوفا أمام ربهم ، لا تخفى على الله منهم خافية.
فهذان حدثان كبيران : تسيير الجبال ، وتسوية الأرض ، مما يغير حال الدنيا. والحدث المنتظر للخلائق جميعا أن الله يجمع الأولين والآخرين للحساب في موقف واحد ، من غير أن يترك الله منهم أحدا ، لا صغيرا ولا كبيرا ، كما قال الله تعالى في آية أخرى : (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)) [الواقعة : ٥٦ / ٤٩ ـ ٥٠]. فقوله تعالى : (وَحَشَرْناهُمْ) أي أقمناهم من قبورهم وجمعناهم لعرضة القيامة.
وفي هذا العرض يعرض البشر قاطبة أمام الله صفا واحدا ، يأتون جميعا أحياء ، كهيئتهم يوم خلقهم أول مرة في الدنيا ، حفاة عراة ، لا شيء معهم ، لقد جاؤوا إلى ربهم كما خلقهم في المرة الأولى ، وفي هذا تقريع وتوبيخ للكفار والمنكرين للبعث ، وإثبات لقضية العرض والحساب على الله تعالى ، لذا خاطب الله هؤلاء المنكرين بقوله : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) ، أي بل ظننتم أنه لا لقاء لكم مع الله ، وأنه لا ميعاد لهذا اللقاء.
__________________
(١) عدّها وضبطها.