فضّلته : لم كرّمته علي ، وأنا خير منه؟ وكأنه ينسب الجور لربه ، قسما لئن أبقيتني إلى يوم القيامة لأستأصلن ذريته بالإغواء ، ولأستولين عليهم بالإضلال إلا قليلا منهم ، وهم العباد المخلصون الذين وصفهم الله تعالى بقوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ١٥ / ٤٢]. أي إن عبادي الصالحين لا تقدر أن تغويهم ، فأجابه الله لطلبه لحكمة يعلمها ، وأخره قائلا له : امض لشأنك الذي اخترته لنفسك خذلانا وتخلية ، فمن أطاعك واتبعك منهم ، فإن جهنم مقركم ، ومأواكم ، جزاء موفرا محفوظا ، كاملا لا ينقص منه شيء.
واستخفّ واستنفر من تريد من العباد بدعوتك إلى المعاصي ، بكل ما أوتيت من قوة وإغراء ووسوسة ، والمراد بقوله : (بِصَوْتِكَ) أي بدعائك إلى معصية الله تعالى واجمع عليهم جندك فرسانا ومشاة ، وهذا تمثيل يراد به : التسليط عليهم بكل ما تقدر عليه من القوة ، واجمع لهم كل مكايدك ، ولا تدخر وسعا في إغوائهم ، مستخدما كل الأتباع والأعوان.
وشاركهم في الأموال والأولاد بتحريضهم على كسب المال وإنفاقه في المعاصي ، من لهو ومجون وربا ، وخمور ، وفواحش ، وقتل وتخريب ، ونحو ذلك ، وقوله سبحانه (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) عام لكل معصية يصنعها الناس بالمال ، فذلك هو حظ إبليس. وقوله عزوجل (وَالْأَوْلادِ) عام لكل ما يصنع من أمر الذرية في المعاصي ، بالإنجاب الحرام كالزنى وغيره ، وبالوأد للبنات الذي كانت بعض العرب تفعله ، وصبغ الأولاد في ملل الكفر والضلال.
وعدهم المواعيد الكاذبة الباطلة ، من شفاعة الآلهة المزعومة ، ومنّهم بما لا يتم لهم ، وبأنهم غير مبعوثين ، فهذه مشاركة في النفوس. ثم أخبر الله تعالى أنه إنما يعدهم الشيطان غرورا منه ، أي كذبا وباطلا في صورة الحق ، فمواعيد الشيطان كلها خدعة وتزيين كاذب ، لأنه لا يغني عنهم شيئا.