للإنسان ، وسبب ذلك : أن الشيطان عدو ظاهر العداوة للإنسان ، منذ القديم. ومعنى النزغ : حركة الشيطان بسرعة ، ليوجب فسادا.
وعلة الأمر باتباع الطريق الأحسن والمحاورة الحسنة في منهاج الدعوة الذي رسمه الله : هو أن ربكم أيها الناس أعلم بمن يستحق منكم الهداية والتوفيق للإيمان ومن لا يستحق ، فإن شاء رحمكم فأنقذكم من الضلالة ، ووفقكم للطاعة والإنابة إليه ، وإن شاء عذبكم ، فلا يهديكم للإيمان ، فتموتوا على الشرك. فكأن الله عزوجل أمر المؤمنين ألا يخاشنوا الكفار في الدين ، ثم قال للكفار : إنه أعلم بهم ، ورجّاهم وخوّفهم. ومعنى : (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) إن يرد الله يرحمكم بالتوبة من الكفر. وهذه الآية تقوّي أن الآية التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة.
ثم قال الله لنبيه : فإنما عليك البلاغ ، ولست بوكيل على إيمانهم ، ولا بد ، وإنك غير موكل بأمرهم ، وليس لك السلطة في حسابهم على أعمالهم ، وإنما عليك الإنذار والتبشير فقط ، وترك النتائج لله تعالى ، فتلطف في دعوتهم ، ولا تغلظ عليهم ، ودارهم.
وقال الله أيضا لنبيه : وربك أعلم بجميع من في السماوات والأرض ، وهو الذي فضّل بعض الأنبياء على بعض ، بحسب علمه فيهم ، والتفضيل بحسب المزايا والكتب والخصائص ، كاتخاذ إبراهيم عليهالسلام خليلا ، وموسى عليهالسلام كليما ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين ، وآتى الله داود عليهالسلام كتاب الزبور. وهذا بالمعنى المراد تعريض بقريش ، أي لا تنكروا أمر محمد ، وأنه أوتي قرآنا ، فقد فضّل النبيون ، وكان لكل نبي فضيلة ، فموسى أعطي التكليم ، وعيسى : الإحياء ، وإبراهيم : الخلّة (خليل الله) ، ومحمد القرآن وختم النبوات ، وداود : أوتي الزبور ، فالله أعلم حيث يجعل رسالاته. ونظير الآية : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [البقرة : ٢ / ٢٥٣].