وجوه الراحة المختلفة ، من رزق حلال طاهر ، وسعادة غامرة ، وطمأنينة نفس ، وهدوء بال ، ورضا وقناعة ، قال ابن عطية : ظاهر هذا الوعد بالجزاء الحسن : أنه في الدنيا ، وإن طيب الحياة اللازم للصالحين ، إنما هو بنشاط نفوسهم ونبلها وقوة رجائهم ، والرجاء للنفس أمر ملذّ ، فبهذا تطيب حياتهم ، وبأنهم احتقروا الدنيا ، فزالت همومها عنهم ، فإن انضاف إلى هذا مال حلال ، وصحة ، أو قناعة ، فذلك كمال. فيكون قوله تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) معناه : لنعطينه ما تطيب به حياته : وهو القناعة والرضا.
ودليل شمول الحياة الطيبة لكل هذا : الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله ابن عمر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافا ، وقنّعه الله بما آتاه». وروى الإمام أحمد أيضا ومسلم عن أنس بن مالك : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة ، يعطى بها في الدنيا ، ويثاب عليها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة ، لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا».
وحكى الطبري عن أبي صالح أنه قال : نزلت هذه الآية بسبب قوم من أهل الملل تفاخروا ، وقال كل منهم : ملّتي أفضل ، فعرّفهم الله في هذه أفضل الملل.
وأما جزاء من آمن وعمل صالحا في الآخرة : فهو الأجر والثواب بأحسن ما كانوا يعملون ، أي بقدر أحسن ما كانوا يعملون ، وهذا وعد بنعيم الجنة ، وهو أحسن جزاء لمن أحسن العمل في الدنيا ، وهو حسبما يفعل بالصابرين.
ويكون قوله تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) كما ذكر الألوسي رحمهالله إشارة إلى درء المفاسد ، وقوله سبحانه : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) إشارة إلى جلب المصالح. فتكون ثمرة العمل الصالح من الرجل والمرأة على السواء ، هي